وأما حال قريش فلما رأت خروج المسلمين إلى المدينة وعودة من هاجر إلى الحبشه نحو المدينة أيضاً، أخذ مكرهم يزداد تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرروا بعد أن تشاوروا في أمره صلى الله عليه وسلم بقرارات متعددة، ولكن الله تعالى فوقهم مطَّلع عليهم فَأَطْلَع رسوله على ما يمكرون به، فلحق بالغار، وقد روى ابن عباس رضي الله عنه في قوله (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك. قال: تشاورت قريش ليلة بمكة؛ فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك، فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا إليه؛ فلما رأوا علياً رد الله مكرهم، فقالوا أين صاحبك هذا ؟ قال: لا أدري…).
فبعد أن أطلع الله تعالى نبيه على ما عزمت عليه قريش من النوايا السيئة، يتخذ الأسباب عليه الصلاة والسلام، فيترك عَلِياً رضي الله عنه على فراشه تلك الليلة التي ذهب فيها إلى الغار، فأخذوا يحرسون علياً حتى أصبحوا، فرد الله مكرهم بغيظ يطعن قلوبهم، حيث اتضح لهم بعد طول ليل أنه علي رصي الله عنه وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا دليل على شجاعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه والمحبة الفائقة والقدر العظيم الذي يحمله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه كذلك أهمية الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى.
ثم تقول رواية الحديث (… فاقتصوا أثره؛ فلما بلغوا الجبل خُلِّط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت. فقالوا: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه. فمكث فيه ثلاث ليال ) .
فهذه عناية الله تعالى تَحُفُ رسوله وصاحبه في الغار، فيمر كفار قريش من عند الغار زاهدين فيه لِمَا شاهدوا من بيت العنكبوت على الغار، وقد وقفوا موقفاً لو طأطأ أحدهم رأسه لرآهم، كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وهكذا تتجلى قدرة الله تعالى العظيمة في حفظه وعنايته برسوله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه.
وهكذا يكون المؤمن متخذاً للأسباب معتمداً على الله تعالى متوكلاً عليه، فهو الحافظ لعباده في الليل والنهار، وفي البر والبحر، وبين الأشجار والغابات وبين الوحوش، وفي الصحاري بين الهوام.