لقد استمر اشتداد الأذى على المسلمين حتى قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في وصف حالهم وما حصل لهم من الضيق(كان المؤمنون يَفِرُّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله مخافة أن يُفْتَن عليه).
وفي ذلك الحال من الأذى والاستضعاف بالمسلمين من كفار قريش رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وصفاً لدار الهجرة التي ستكون موطن الرسالة والدعوة، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وَهَلي إلى أنه اليمامة أو هَجَر، فإذا هي المدينة يثرب).
وقالت عائشة رضي الله عنها( فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: إني أُرِيتُ هجرتكم ذات نخل بين لابتين، وهما الحرَّتان. فهاجر من هاجر قِبَل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة….).
وهكذا بدأ التدفق نحو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن البراء رضي الله عنه قال ( قَدِم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم. ثم قدم علينا عمار بن ياسر و بلال رضي الله عنهم) وعنه رضي الله عنه قال (أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، وكانوا يُقْرِئون الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر. ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم)
وتبين رواية البراء بن عازب رضي الله عنه أن من وظائف بعض الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ القيام بالجانب التعليمي، حيث كان مصعب بن عمير وابن أم مكتوم يقومان بتعليم الناس ما نزل من القرآن الكريم؛ وما عَلِمُوا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . مما يؤكد أن منهجه صلى الله عليه وسلم قائم على التعليم الذي يُخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ ومن الباطل إلى الحق؛ الذي يَسعد الناس به. فلم تكن رسالته صلى الله عليه وسلم مجرد تجمع بشري انتمائي للإسلام فقط، بل إنه عِلْمٌ وَعَمَلٌّ على بصيرة، فيثري المجتمع بعلوم الشريعة التي تجمع قلوبهم وكلمتهم وتوحد صفوفهم وأهدافهم ومنهجهم؛ كما اجتمع المسلمون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختلاف ألوانهم وقبائلهم، التي يَعِزُّ على أفرادها أن يجتمعوا بغير هذا الدين القويم.