لقد شرعت العبادة في الإسلام لتستمر مع الفرد إلى مماته ، قال تعالى (و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات ، فامتثل صلى الله عليه و سلم أمر ربه ، فلم يزل دائباً في العبادة ، حتى أتاه اليقين من ربه صلى الله عليه و سلّم ، تسليماً كثيراً ” [ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كـلام المنان ، السعدي ، (4/181)]
و مع رفيع منـزلة العبادة في الإسلام ، و علو كعبها ، إلا أن النبي صلى الله عليه و سلم قد وجّه بالاقتصاد فيها و عدم الغلو ؛ ذلك انّ سيرة النبي صلى الله عليه و سلم جاءت بالتوازن بين الجسم و العقل و الروح ، دون أن يطغى جانب على آخر.
وتحفل السنة النبوية بنماذج رائعة من الاقتصاد في العبادة ، و من ذلك ما يرويه أنس بن مالك – رضي الله عنه – فيقول :” دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد و حبل ممدود بين ساريتين ،فقال : ما هذا ؟ قالوا : لزينب تصلي فإذا كسلت أمسكت بـه ، فقال : حلّوه ، ثم قال : ليصلّ أحدكم نشاطه ، فإذا كسل أو فتر فليقعد” [أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين و قصرها ، باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك ، حديث رقم (784)]
و تروي عائشة – رضي الله عنها – نموذجاً آخر من سيرته صلى الله عليه و سلم فتقول:” لم يكن النبي صلى الله عليه و سلّم يصوم شهراً أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كله ، و يقول خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، و أحبّ الصلاة إلى النبي صلى الله عليه و سلم ما دُووم عليها ، و إن قلت و كان إذا صلى صلاة داوم عليها” [ أخرجه البخاري في كتاب الصوم ، باب صوم شعبان ، (4/251) ، حديث رقم 1970]
فالعبرة ليست بكثرة العمل و إنما العبرة بدوامه ، فالعبادة في منظور التربية الإسلامية نشاط مصاحب للفرد في شتى أحواله ، و ليست محصورة في وقت دون وقت ، و في هذا الأثر البالغ في تزكية النفس.
فالعبادة في الإسلام لا عسر فيها و لا إرهاق ، و لا تستهلك كل وقت الإنسان و جهده ، و إنما تأخذ بالاعتدال و الوسطية بحيث تسهل على كل إنسان ديمومة الاتصال بخالقه .