الحمد لله القائل ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم)، ( سورة غافر : من الآية 60 ) . والصلاة والسلام التامان الأكملان على سيدنا ونبينا محمدٍ بن عبد الله القائل : ” ليس شيءٌ أكرم على الله تعالى من الدعاء ” ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3370 ، ص 765 ) . وعلى آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان في كل زمانٍ ومكان ، أما بعد ؛
فقد ورد في تراثنا الإسلامي العظيم مُصطلح ” سهام الليل ” الذي يُقصد به رفع اليدين بالدعاء إلى الله تعالى ، والابتهال إليه سبحانه في خشوعٍ وخضوع وانكسار . وهذه السهام هي السلاح الفتّاك ، والقوة الكبرى التي لا يعرفها إلا المؤمنون الصادقون الذين تربوا على مائدة القرآن الكريم ، ونهلوا من معين التربية النبوية الصافي . كما أنه لا يُجيد استعمال هذه السهام إلا عباد الله المخلصون الذين يُطلقونها بأوتار العبادة وقِسي الدموع في وقت السحر ، ويرفعونها إلى الله تعالى فيُجيب من يشاء من عباده ، متى شاء ، بما شاء ، وكيفما شاء ، قال تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ( سورة البقرة : من الآية 186) .
نعم ، إنها تلك الدعوات الصادقة التي يطلقها عباد الله المخلصين بقلوب خاشعة ، ونفوس واثقة ، وألسنة صادقة ، وعيون دامعة ، وهم يرفعون أيديهم الطاهرة سائلين وراجين رب الأرض والسموات ، الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء عمن ناداه .
قال الشاعر :
يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
***********
وما ذلك إلا لأن التربية النبوية العظيمة علمتنا أن الدعاء عبادة روحية عظيمة يلجأ فيها المخلوق الضعيف إلى الخالق العظيم ، بعد أن تنقطع به الأسباب وتنعدم عنده الحيل ، ولا يجد له ملجأ إلا إلى الله الواحد جل جلاله ، فيتوجه بقلبه وقالبه إلى الله سبحانه ليجد عنده ما لم يجد عند أحد من البشر . وما ذلك إلا لأن الدعاء أكرم شيء عند الله سبحانه لما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عله وسلم أنه قال : ” ليس شيءٌ أكرمَ على الله سبحانه من الدُعاء ” ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3829 ، ص 631 ) .
قال أهل العلم في سبب ذلك أن في الدعاء إظهار للفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله سبحانه وقدرته . كما أن الدعاء عبادة يؤجر عليها فاعلها ويثاب ؛ وإن لم تحصل الإجابة ، والعجيب أن ترك الدعاء وعدم سؤال الله تكبراً واستغناءً أمرٌ لا يجوز في حق الله ، بل إنه ربما أغضب الله سبحانه على العبد ، قال الشاعر :
الله يغضب إن تركت سؤاله
وترى ابن آدم حين يُسألُ يغضب
ولذلك جاء في الحديث عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إن ربكم حييٌّ كريمٌ يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه، فيردّهما صفراً –أو قال : خائبتين ” ( رواه ابن ماجة ، الحديث رقم 3865 ، ص 637 ) .
فيا إخوة الإسلام ، أين نحن من الدعاء ؟
وأين نحن من سؤال الله القادر على كل شيء ؟
ولماذا لا نرفع الأيدي في كل وقتٍ وحين ، إلى مالك الملك وملك الملوك سائلين و راجين ؟
ولما لا نلجأ إليه سبحانه وتعالى في السراء والضراء ؟
ولماذا لا ندعوه عز وجل في السر والعلن ؟
ولماذا لا نكثر من الدعاء الصادق ونتحرى أوقاته ؟
ولماذا لا نحرص على أن نتعلم شروطه وآدابه ؟
ولماذا لا نحسن استعمال الدعاء الذي أكرمنا الله وميَّزنا به عن غيرنا ، لاسيما وأن الدعاء هو العبادة كما صح في الحديث الشريف ، وأن كثرته علامة الإيمان ، ودليل اللجوء إلى الواحد الديّان ؟
وأختم بما يؤثر عن عملاق الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب tأنه قال : ” والله ما أحمل هم الإجابة فهي بيد العزيز القدير ، ولكني أحمل هم الدعاء وأنا العبد الفقير ” . وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
وإني لأدعو الله حتى كأنني*** أرى بجميل الظن ما الله صانع
فاللهم يا من لا يسأل غيره ولا يرتجى سواه ، ويا من لا يرد من دعاه ، وفقنا إلى خير الدعاء ، وجميل القول ، وصالح العمل ، وأهدنا وسدّدنا ، وأغفر لنا وارحمنا ، وصلى الله
وسلم على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .