أسلوب القصص الأحداثية:
وهو سرد القصص التي حدثت في الماضي، قبل زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأُخبر بها، أو حدثت في زمنه. وفسرها لأصحابه، وقد تتكرر أحداثها في أي عصر أو مجتمع. بطريقة مشابهة وليس مطابقة، وإن حدثت فهي تختلف بشخوصها وفي كيفية توجيه الحدث، فكل هذه القصص أسلوب تربوي للاستفادة منه في الحياة، وتهذيب السلوك، وتنوير البصيرة.
والقصص التالية تنوعت حسب الأحداث. “فهي ذات التأثير الروحي والخلقي والاجتماعي والإنساني، مستهدفة غرس الخير والفضائل والقيم والمبادئ في النفوس وترقية الوجدان[أ]”. وتبيان المسائل المراد بيانها، فمنها ما يتعلق بالتوحيد، والمحبة في الله، ووجوب الصبر على فعل الخير، والصدق في التعامل، وفضل التوبة. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:”كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ:إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟فَقَالَ:لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟فَقَالَ:نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ[ب]”*، الحديث يدل دلالة واضحة على سعة رحمة الله بعباده وعفوه عنهم، والقصة تفتح باب الأمل لكل عاص، مهما عظم ذنبه، وكبر جرمه، فرغم وجود هذه الذنوب الجسيمة إلا أنها لم تقتلع كل نوازع الخير ودوافعه، وبقي خوفه من الله يحرك وجدانه، فأخذ يبحث عن مخرج من هذه الذنوب ويطهر نفسه، فسأل عن أعلم أهل الأرض؛ لأنه يرى أن جرمه كبير ولا يمكن لأي شخص أن يفتيه، فدلوه على راهب، – والرهبان كثيروا العبادة قليلوا العلم- فاستعظم الراهب الذنب وأسرع بالإجابة بعدم التوبة، وكان جزاؤه القتل بسبب التسرع بالرد من غير علم، وأكمل الرجل قتل المائة، ولكن ما زال الأمل يراوده، وهذه الفطرة السليمة تبحث عن من يرشدها إلى الصواب، وينير لها الطريق.حتى وجد القاتل رجلاً عالماً فعرض عليه معضلته، فأخبره أنه لا أحد يحول بينه وبين التوبة، ورحمة الله واسعة، ودله على الطريق الذي يجب عليه أن يسلكه، ويترك القوم الضالين الذين يصحبهم ويعيش معهم، وينتقل إلى بيئة صالحة، ويهاجر من بيئة السوء إلى أرض أخرى، فخرج الرجل متوجهاً لله؛ مهاجراً لأجل عبادة الله، طالباً حياة الصلاح والاستقامة، وفي منتصف الطريق كان أجله وساعته، وكان مصيره إلى ملائكة الرحمة، وغفرالله له ذنوبه[ج].فالله عزّ وجَلّ نهى عن القنوت واليأس من رحمته مهما بلغت الذنوب.قال تعالى:â قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم á (الزمرآية 53) والمتأمل في الحديث يعرف أن الصحبة لها تأثير، واختيار الأصدقاء أمر مهم للأبناء، وواجب على الآباء معرفة أصدقاء أبنائهم، كما أن في القصة أسلوباً تربوياً رائعاً، وهو أن نأخذ العلم من أهله، ولا نبخل على أنفسنا بالبحث عن مصدر العلم، والقصة تشمل مبادئ عظيمة، فالإقبال على الله والخوف منه، والتوبة من الذنوب هي طريق النجاة، وأن الموت يأتي فجأة ولا يعلم الإنسان بأي أرض يموت، ولا ينجيه من عذاب الله إلا النية السليمة، والقصد الصحيح، والتوبة الصادقة. فالطبيعة الإنسانية فيها الخير والشر، والنفس أمارة بالسوء، والله U ينادي عباده كل ليلة ليتوب مسيء النهار، ويجزيهم بالسيئات إحساناً. وهذا منهج الخالق العظيم، فما منهج الخلق من الإساءة؟ هل يسلكون هذا الأسلوب ويتبعونه ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr :” رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ u رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى u سَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلَّا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ! فَقَالَ عِيسَى u:آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ نَفْسِي[د]”*. أسلوب تربوي إنساني يدل على احتواء المربي للأمور وجلب محبة الناس في الدين، فالعفو والتسامح، والحلم والأناة صفات يُحبها الرحمن، أما تقنص أخطاء الناس من أجل التشفي، أو المكايدة فهذه من أفعال الشيطان؛ لأن ذلك يوغر الصدور، ويغرس العداوة بين أفراد المجتمع. والمسلم لا يتعامل إلا بما أمره به دينه من حُسن خلق وتأدب مع الآخرين. وأسلوب التعامل أصبح الآن فناً وعلماً مستقلاً بذاته يدرس في الجامعات والمعاهد في الدول المتقدمة، والمسلمون لديهم هذا العلم منذ شروق عصر النبوة المحمدية، فالمنهج الرباني الذي طبقهr في مدرسة النبوة هو أفضل منهج للبشرية، و تخرج منه أفضل جيل يشهد له العالم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والتمسك بهذا التعامل واجب إنساني وديني وتربوي لكل مربي ومعلم، وقد سار عليه الأنبياء عليهم السلام قبل محمدr .
2- حسن /محمد حسن أحمد، الأساليب التربوية في السنة النبوية الشريفة .1410هـ، رسالة ماجستير، جامعة الأزهر.ص208.
1- مسلم، صحيح مسلم، مرجع سابق، ج4، كتاب التوبة، ص1683، ر: 2766.
1- الأشقر/صحيح القصص النبوي /مرجع سابق، ص247-249.
2- مسلم / صحيح مسلم، مرجع سابق، ج4، كتاب الفضائل، ص1466، ر:2368.
اسم الكاتب: د. فاطمة سالم باجابر (السعودية)