جاء في كتاب الحث على التجارة والتكسب والعمل للخلال : (( أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألاه. فقال: اذهبا إلى هذه الشعوب فاحتطبا فبيعاه، فذهبا فاحتطبا، ثم جاءا فباعا، ثم ذهبا فاحتطبا أيضاً، ثم جاءا فباعا، ثم ذهبا فاحتطبا أيضاً فجاءا، فلم يزالا حتى ابتاعا ثوبين، ثم ابتاعا حمارين، فقالا: قد بارك الله لنا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم )).
إن الناظر إلى هذا الحديث بنظرة تربوية يجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعامَل مع هذين الرجلين بطريقة واقعيّة عمليّة. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يعالج مشكلة الفقر التي حلت بهما بالمساعدة المالية الوقتية، ولم يعنّفهما على تشرّفهما إليه بالمسألة، ولكنّه أخذ بيديهما في حل فاقتهما، وأوجد لهما البديل والعلاج المناسب لهذه المشكلة؛ حيث أرشدهما إلى استغلال الطاقات التي تناسب قدراتهما وظروفهما المادية، وهو الاحتطاب، ومن ثَمّ نزول السوق وبيعه للناس . وكانت ثمرة هذا التوجيه النبوي الواقعي العملي أن بارك الله للرجلين، وامتلكا الثوب والحمار…
إن في هذا التوجيه النبوي الكريم من الفوائد التربوية ما يلي:
– فيه دعوة إلى التكسب والعمل الشريف الذي يغني المرء عن سؤال الناس.
– وفيه بيان أن أي مهنة – ولو كانت يسيرة دنيئة تجلب رزقاً حلالاً – هي مهنة شريفة كريمة، وأنها أفضل من التشرف إلى الخلق واعتياد المسألة؛ لما في سؤال الناس من المذلة والهوان، وعنوان التكاسل والتواني.
– كما أن فيه توجيه إلى استغلال الطاقات والمواهب بما يناسب شخصية المرء وظروفه وأحواله، وتوظيفها في ميادين تسهم في ارتقاء الأمة الإسلامية.
– أن من أنجع طرق حلول المشكلات هو إيجاد البديل المناسب لها .