لقد كان من منهج النبي صلى الله عليه وسلم التعليمي التربوي للجانب المهني التشجيع على ممارسة العمل المهني، ومن ذلك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبدالله بن جعفر وهو يبيع بيع الغلمان، أو الصبيان، قال: اللهم بارك له في بيعه، أو قال: في صفقته) وفي هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم ما يزيد بركة ذلك البيع والربح الذي يقوم به ذلك الغلام، إضافة إلى التشجيع منه صلى الله عليه وسلم لهذا الغلام في مباشرته للعمل النافع، مما يؤكد أهمية ممارسة التشجيع للصبيان عندما يؤدون أعمالاً نافعة مثمرة، يتمرسون من خلالها القيام بما يحقق لهم النفع عندما يكبرون. وإن في كلمات التشجيع التي تخرج من الكبير للصغير ما يحفزه ويستثير في نفسه مشاعر الحب للكبار؛ والرغبة في التعامل معهم، مع المزيد من المحبة لذلك العمل والصنيع الذي يمارسه. وإن هذا التشجيع والدعاء منه r يبرز أهمية الجوانب التشجيعية، كما أن في ممارسة ذلك الصبي ما يعطي صورة لممارسات بعض الصبية في المدينة خلال تلك الفترة النبوية.
وفي الموقف التالي يتبين جانب الإرشاد المهني، حيث أرشد صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة لكيفية استثمار ما عنده من متاع بسيط بأن يبيع حاجة منه ثم يدبر أمره المهني بما يحقق له ممارسة التكسب، فعن أنس بن مالك أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال (أما في بيتك شيء ؟ قال : بلى.حِلْسٌ: نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقَعْبٌ نشرب فيه من الماء، قال: أتني بهما، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هذين ؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم ؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً، فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به، فأتاه به، فشدَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء، وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير لك أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة) وفي الحديث سؤال المعلم للمتعلم أو المحتاج عن بعض خصوصياته لينفعه بها، وفي الحديث الإشارة إلى مهنة المزايدة، التي يقوم بها بعض الناس، وينبغي أن يكون القائم بها أميناً حتى يصل بالسلعة إلى ما ينبغي أن تكون عليه من الثمن، وفي الحديث أهمية توجيه المستفيد إلى دقائق ما لا يُحسنه ولا يفهم فيه، وفي الحديث تواضعه صلى الله عليه وسلم فقد شَدَّ بنفسه في القدوم عوداً بيده، ثم فيه أهمية بيان العلة عند النهي والأمر ما كان ذلك ممكناً، حيث بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم للرجل علة العمل وترك المسألة في تمام الحديث.
ففي هذا الحديث توجيه تعليمي لكيفية ممارسة العمل والتكسب، مع حُسن التصرف فيما يملك الإنسان؛ ليجعل منه نواة تجارة يتعيش من خلالها، الأمر الذي يدعوا إلى أهمية ممارسة الإرشاد المهني للشباب، حيث أن كثيراً من العوائق تكمن في عدم معرفتهم لكيفية التكسب؛ وذلك نتيجة قلة خبرتهم. فيقدم هذا الإرشاد النبوي أنموذجاً في ممارسة عملية الإرشاد والتوجيه المهني، الذي هو أحد أوجه التعليم، وهدف من أهدافه.