تعتبر طُرق التعليم من الصفات المهنية التي يلزم أن تتوفر في المعلم الجيد، ويحسن استخدامها أثناء عرض المادة العلمية، بحيث يكون المعلم على دراية كافية باستخدام طرق التعليم المتنوعة.
وإن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجدها حافلة بطرق تعليمية متنوعة تُمثل قمة الروعة الأدبية وذروة البلاغة البشرية. وقد استخدم صلى الله عليه وسلم هذه الطرق بصورة رائعة محققة للغرض، ألا وهو تعليم أصحابه أمور الدين، وتربيتهم على الأخلاق والقيم السامية الرفيعة. وكان استخدامه صلى الله عليه وسلم لها تبعاً لمقتضيات الظروف والمواقف التعليمية المختلفة.
ولا شك أن التعدد والتنوع من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في استخدام طرق التعليم والتربية يهدف إلى تسهيل العلم على المتعلمين، وتيسير المعلومة لهم؛ ليتسنى لهم الفهم على الوجه الأكمل والصحيح؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم ((يسرا ولا تُعسرا، وبشرا ولا تنفرا )).
وكان عليه الصلاة والسلام يهدف إلى مراعاة حال المتعلمين كما ورد عن علي رضي الله عنه في البخاري موقوفاً (( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله )) ،وعن ابن مسعود (( ما أنت بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلا كان لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً )).
لذا كان لزاماً على المعلمين كلٌ في تخصصه أن يقتدوا بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأن يتمكنوا من طرق التدريس للعلوم المختلفة، وأن يكونوا ماهرين فيها، بحيث يؤدونها كما يجب، ويستخدمونها الاستخدام الأمثل . ولقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم على المهارة كما في قوله (( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة)) وفي حديث آخر أكد صلى الله عليه وسلم ضرورة الإتقان في العمل، فقال: (( إن الله يُحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) وإذا لم تتوفر المهارة فلن يكون هناك إتقان. فالمعلم ليس ملقّناً للعلوم فحسب، بل هو معلم ومربّ ومتقن …
وإليك أيها القارئ العزيز هذه النماذج من طرق التعليم التي استخدمها المعلم الأول صلى الله عليه وسلم :
أولاً/ طريقة الإلقاء والمحاضرة : وتقوم هذه الطريقة على أساس أن المعلم هو الذي يلقي المعلومة والمتعلمين يتلقونها بهدف الإفادة وحسب النمو العقلي. ويتحمل المعلم العبء الأكبر في التعليم. ولهذه الطريقة أمثلة متعددة في السنة النبوية : منها ماروى جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه في صفة خطبة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم – إذ إن الخطبة نوع من أنواع الإلقاء – حيث يقول واصفا إياها : (( إذا خطب صلى الله عليه وسلم احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم مساكم ويقول : ((بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى. ويقو ل: (( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة . ثم يقول : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، من ترك مالاً فلأهله ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعليَّ )) . فنجد في هذا الحديث أن الرسول استخدم مهارات الإلقاء ، حيث استعمل الإشارات الحسية بأصابعه، واللغة الجسدية بتغيير لون وجهه ، كما رفع صوته ليسمع عنه المستمع وينتبه لكلامه؛ فكان إلقاؤه أوقع في النفوس.
ثانياً / طريقة التدرج في التعليم : ومن ذلك ما روى بن عباس رضي الله عنهما (( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال له (( إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )) فالرسول أمر معاذاً أن يتدرج في دعوته وتعليمه لأولئك القوم، فيدعوهم إلى التوحيد أولاً ثم يُعلمهم بقية شرائع الدين بالتدريج.
وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال (( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً )) فانظر إلى هذا التدرج في العملية التعليمية من النبي صلى الله عليه وسلم .
وهناك طرق أخرى تعليمية سنعرضها في حلقات قادمة ، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى مع طرق التعليم في السنة النبوية.