الحمد لله العزيز الغفار ، والصلاة والسلام على نبينا محمد المختار ، وعلى آله الأخيار ، وصحابته الأطهار ، وبعد :
فانطلاقاً من اختلاف الناس في طباعهم وثقافاتهم ومستوى فكرهم ووعيهم ؛ تختلف المفاهيم وتتباين الآراء بينهم في كثير من شؤون ومجريات الحياة ؛ الأمر الذي ينتج عنه ما يسمى في علم التربية بـ ( الفروق الاجتماعية ) التي تأتي نتيجةً لاختلاف أنماط الحياة واختلاف مستوى الثقافة والوعي بينهم ؛ فعلى سبيل المثال :
تختلف مفاهيم كثيرٍ من الناس في أي زمانٍ ومكان حول قضية النظافة الشخصية ، ومتى يمكن أن يوصف الإنسان بأنه نظيف؟!
وهنا يمكن القول : إن ذلك أمرٌ مُختلفٌ فيه ؛ فالمقصود بالنظافة لا يعتمد على نظافة الملبس فقط ، ولا على نظافة المسكن ومكان المعيشة ، ولا على نظافة وجمال الشكل الظاهري وحده ، ولكنه يختلف في التقدير من شخصٍ لآخر ، ومن مجتمعٍ لمجتمع .
وفيما يلي محاولةٌ للإجابة على هذا السؤال من منظور التربية النبوية التي ترى أننا يمك أن نتعرَّف على المقياس الحقيقي لنظافة الإنسان المسلم الشخصية من هدي وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتربيته النبوية ، التي بينت في أكثر من موضع ما ينبغي أن يكون عليه حال الإنسان المسلم الطاهر النظيف حسياً ومعنوياً. فقد صحَّ عن أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” عشرٌ من الفطرة : قصُّ الشارب ، وإعفاءُ اللحية ، والسِّواك ، واستنشاقُ الماء ، وقصّ الأظفار ، وغسل البراجِم ، ونتفُ الإبط ، وحلقُ العانة ، وانتقاص الماء ” ( رواه مسلم ، الحديث رقم 604 ، ص 125 ) .
والمعنى أنه إذا كان الإنسان المسلم ( ذكراً أو أُنثى ) يتوضأ لكل صلاة على مدار اليوم والليلة ، وإذا كان ينظف أسنانه وفمه بالسواك ونحوه ، وإذا كان يقص أظفاره كلما طالت حتى لا تجتمع تحتها الأوساخ والقاذورات ، وإذا كان محافظاً على قص شاربه متى طال حتى لا يعلق به شيء من الأوساخ وبقايا الطعام ونحوه ، وإذا كان يغسل شعر رأسه ويعتني به ويُقَصِّرُه أو يحلقه إذا طال ، وإذا كان يُحافظ على الاستحمام والاغتسال مرةً في الأسبوع على الأقل ، وإذا كان يحرص على الطيب والروائح الطيبة وبخاصةٍ يوم الجمعة وعند أداء الصلوات ، وإذا كان يهتم دائماً بنظافة وجمال ملبسه ومظهره العام حتى يبدو كالشامة بين الناس ، وإذا كان يراعي نظافة مسكنه ومركبه ومقر عمله بين وقت وآخر ؛ فهو نظيفٌ إن شاء الله تعالى لأن كل هذه الصور السلوكية تعني إدراكه لمعنى النظافة الحسية ، واهتمامه بها ، ومحافظته عليها.
وهكذا نرى أن هدي النبوة العظيم قد تضمن العديد من النصائح والإرشادات ، والآداب والتوجيهات النبوية التربوية التي تعد مقياساً واضحاً يمكن من خلاله الحكم على الإنسان بأنه نظيف أو غير نظيف .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مما يؤسف له أن يكون بيننا بعض من يُهملُ هذا الجانب التربوي الهام ، حينما نرى أناساً قد طالت أظفارهم بشكلٍ مزعجٍ ومُفزع حتى أصبحت كالمخالب ، وآخرين تنبعثُ منهم الروائح الكريهة المنتنة سواءً من أبدانهم المتسخة ، أومن ملابسهم القذرة ، وهناك من لا يُرون إلا ثائري الرؤوس منفوشي الشعر ، وآخرين لا تستطيع النظر إلى أسنانهم التي تراكمت عليها الأوساخ وبقايا الأطعمة بشكلٍ مؤذٍ ومُقزز ، إلى غير ذلك من المناظر المؤسفة التي لا تليق بشخصية المسلم ، ولا تتناسب مع منزلته الكريمة التي خلقه الله عليها ليكون في أحسن تقويم وأجمل صورة .
فيا إخوة الإيمان ، عليكم ( بارك الله فيكم ) بالحرص الدائم على نظافة الأبدان ، وجمال الهيئة ، وحسن المظهر ، وليكن لكم في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته خير قدوةٍ تقتدون بها ؛ فالنظافة كما نعرف جميعاً من علامات الإيمان ، والمحافظة عليها فضيلةٌ في كل زمان ومكان .
وفقنا الله وإياكم لكل هديٍ رشيدٍ ، ونهجٍ سديدٍ ، ورزقنا نظافة الظاهر وطهارة الباطن حتى نكون ممن قال الله تعالى فيهم } إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ { ( سورة البقرة : من الآية 222) . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .