إن الفرد المسلم حين يريد تهذيب خلقه وتعديله , وتحسين سلوكه وتكميله ، فذلك يتطلب نوعاً من الجهد والمجاهدة والصبر والمصابرة , وضرورة البدء مع النفس بأسسٍ متينة وخطوات متدرجة , فللتدرج مع النفس قواعدٌ وأصول , بها تُتقن و تُحكم , وبدونها يكون الخلل ، و يُخيِّم الفشل , فينبغي تأسيس تلك القواعد ومن ثم يُمكن إتباع خطوات متدرجة لإصلاح النفس وتنميتها وتكميلها .
قواعد التدرج مع النفس :
القاعدة الأولى : الإرادة والتصميم
إن الإرادة تبدأ بالهم ، وتنتهي بالهمة , والوصول إلى المكانة العالية , حيث لا يمكن للإنسان أن يتغير أو يتطور إلا إذا وجد لديه إرادة قوية , وقناعة تامة , وحرص من ذات الإنسان على التغيير والتطوير , حينها سيصبر على طول الطريق وسيمضي عليه مهما تعثر حتى يصل لمبتغاه .
القاعدة الثانية : معرفة قُدرات النفس وطاقاتها :
متَّع الله تعالى الخلق بمواهب وطاقات , وأخلاق وقدرات ، وهي متفاوتةٌ بين الناس ، فهم فيها مختلفون , وحين يعرف الفرد قدرات نفسه يتمكن من تحديد نقطة البداية التي ينطلق من خلالها في تربية نفسه أو تنميتها ومن ثم يتمكن من تحديد الكم والكيف المناسب لطبيعتها , وحينها يُحسن سياستها , ويجيد قيادتها للأمام .
وتلك المعرفة للقدرات والطاقات ترتكز على ركيزتين وهما :
1 – عدم رفع النفس فوق قدْرِها : فلا مكان هنا لمخادعة النفس , وإلباسها لباس الزور , وإنزالها منازل لم تصل إليها ولا هي من أهلها , بدعوى الكمال أو الاكتفاء مثلاً , وعدم الحاجة للتطلع للأمام , فينبغي الصدق مع النفس وعدم وضعها في غير موضعها .
2 – عدم إهانتها و إنزالها عن قدرها : فلا ينبغي التواضع الزائد مع الذات وإنزالها عن قدرها , بل
ينبغي الثقة بالنفس والاعتراف بالقدرات وعدم احتقار الذات أو الشعور بعدم الإنجاز , كما ينبغي البدء
معها من حيث هي , والعمل على تحسينها وتطويرها وتكميلها بقدر الإمكان .
القاعدة الثالثة : حسن إدارة النفس :
ويُقصد بإدارة النفس : قدرة الفرد على حسن التعامل مع ذاته , وذلك لكونه حدد اتجاهاته وعرف إمكاناته واستغل مواهبه وطاقاته , فتمكن من توجيهها نحو ما يطمح إلى تحقيقه ، ويصبو إلى تحصيله .
القاعدة الرابعة : الرفق :
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ) رواه مسلم .
فينبغي للفرد أن يحرص على التحلي بالرفق في كل أموره , فالرفق محمود في كل شيء .
والرفق مع النفس يتمثل في التأني والأخذ بالأسهل , وهذا لا ينافي الحزم , لأن من أراد التدرج مع نفسه لتنميتها وتطويرها فإنه لا يفوِّت الفرص إذا سنحت ، ولا يهملها إذا عرضت .
كما النفس البشرية تميل إلى الرفق ولين الجانب وطيب الكلام وتأنس به ، وتنفر من الجفوة والغلظة , فكما أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم , فكذلك الشدة على النفس مضرة بها , ولن يتمكن الإنسان من التدرج مع ذاته إلا بملاطفتها والترفق بها , وخاصة في أول طريق النهوض والترقية والتصعيد .
القاعدة الخامسة : الحكمة :
إن التعامل مع النفس يقتضي التعامل بالحكمة والروية , فلا تُجْهَد وتُحمَّل فوق ما تطيق ، ولا تُطلَق لها الأزِمَّة ويُتراخى معها , بل ينبغي مراعاتها في موطنين :
1 – موطن الإقبال والرغبة في التقدم وتطوير النفس وتكميلها , فتُغتنم تلك الفرصة للتربية و التنمية.
2 – موطن الإعراض والإحجام عن التقدم والصد عن الفضائل , أو التوقف وعدم التطوير .
ففي الموطن الثاني ينبغي القيام بأمرين:
أ – الترغيب : فيرغب الفرد نفسه بفضائل الأعمال ، و مقامات الكمال , وحسن المآل .
ب – الترهيب : ويرهب الفرد نفسه بعواقب الدُّنُوِّ والتراخي, و يُبَيِّنُ لها جزاء التفريط وسوء العاقبة.
كما أن على الفرد تحري الحكمة عند معالجة العادات الذميمة , وذلك لأنها تتفاوت , فبعضها يجب التعجل في علاجه وقطعه من جذوره وعدم التريث والتأني معه , نظراً لكثرة آثاره وتعدد أضراره الدنيوية والأخروية , وبعض العادات يتم تغييرها على مراحل بالتدريج مع مرور الوقت .
ومما سبق يتضح أن تزكية النفس يحتاج إلى عمل دائم وجهد مستمر لذا يحسن بالفرد أن يحرص على توافر القواعد السابقة للتدرج مع النفس ليتمكن من وضع الأسس وتهيئة النفس للقبول ومن ثم يسهل البناء ويكتمل شيئاً فشيئاً من خلال إتباع خطوات عملية متدرجة تُسهم في بناء النفس وتربيتها وتنميتها بالأخلاق الفاضلة والسلوكيات الجيدة والمهارات اللازمة وسيأتي توضيح ذلك .