الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
يعتبر التوازن البنائي للشخصية من أهم مقوماتها العملية، ذلك أنه يقوم على الموازنة بين مكوناتها العضوية والنفسية، وبين متطلباتها الدنيوية والأخروية، وبين متطلباتها الفردية ومتطلباتها الاجتماعية والأسرية.
وفي تربية النفس على تحقيق هذا التوازن ما يحقق لها قدراً عظيماً من السعادة بعد توفيق الله تبارك وتعالى.
والمنهج الإسلامي خير من يحقق ذلك في أهل ملته، ذلك أنه يقوم بالتوازن في بناء شخصية الفرد، بما ينعكس على مكوناته البنائية: الجسمية والصحية والنفسية والعبادية والأخلاقية.
بل وينعكس على تفاعله الاجتماعي في علاقاته عبر مستوياتها المختلفة، وكذلك في مجال السعي التكسبي من خلال مهنته، أو في مجال السعي الدعوي من خلال جهوده الدعوية.
ومن خلال هذا التوازن يحصل البناء التوازني للشخصية الذي ينعكس على قوتها الفكرية والصحية وعلى قوة أدائها ودقة فاعليتها.
يقول عليه الصلاة والسلام (…. أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) وفي هذه المنهجية النبوية التوازنية ما يبين أن عملية التوازن مطلب وفريضة دينية يلزم الأخذ بها على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن خشية الله تعالى لا تتنافى مع عملية التوازن بل هي ثمرة من ثمرات التوازن. ويقول أنس رضي الله تعالى عنه في وصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم (… وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته، ولا نائماً إلا رايته…) قال ابن حجر: أن صلاته ونومه كان يختلف بالليل، ولا يرتب وقتا معينا، بل بحسب ما تيسر له القيام.
وإن في تحقيق هذه الموازنة ما يجعل فاعلية الشخصية متماسكة ومتوازنة في أدائها وفي تفكيرها وتخطيطها وفي مطالبها الذاتية والأسرية، أو الاجتماعية أو الأخروية.
وهذه الرؤية التوازنية عندما يفقدها الفرد من خلال السير في اتجاه واحد دون النظر للاتجاه الآخر يجعل الاضطراب لطريق حياته سبيلا، فالذي يتجه في تكسبه للجمع المالي دون نظر للمتطلبات الأخرى يكون ذلك المسير تعاسة وإن ظن أنه سعادة ابتداء. وقد جاء في الحديث (تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم وتعس عبد الخميصة إن أعطي رضي وإن منع سخط تعس) وفي رواية (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم الذي إنما همه دينار أو درهم يصيبه فيأخذه) ذلك أن انصرافه لهذا الجانب عطل جوانب أخرى من بينها حق الله تعالى، إضافة إلى ما فيها من الشره.
ومن التوجيهات الربانية العلاجية في تحقيق التوازن قوله تعالى على لسان قوم قارون (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)
وفي هذا غاية التوازن فيما يمتلكه الإنسان من فضل الله تعالى.
ولعل من ابرز فوائد فقه الموازنات وممارستها كما يجب أنها تحقق الكثير من الفوائد، وتُبْعِد الفرد عن الكثير من المهالك الجسمية والفكرية والنفسية والخلقية، والتي منها:
ــ تحقق الراحة النفسية والجسمية والصحية.
ــ تحقق الاستقرار الأسري.
ــ تمكن الفرد من أداء الحقوق والواجبات وفق المعادلة الإسلامية الصحيحة.
ــ تزيد من قدرة الفرد على التخطيط والتنظيم الناجح، لوجود الأجواء المحققة لذلك. لأن الكدح المتواصل يجعل الفرد يفقد القدرة على التفكير الصحيح نتيجة الإجهاد.
ــ تمكن الفرد من تحقيق الاطمئنان النفسي الذي هو أساس للإبداع والتفوق.
هذا واسأل الله تعالى التوفيق والسداد وأن يهدينا ويوفقنا لتطبيق التوازن البنائي وفق منهجه وشرعه الحكيم العظيم.