من عادة النفس البشرية عموما تفاعلها الاندفاعي فيما تحب وتبغض، حتى أنه ليغيب عن ناظريها أحيانا ما يخفيه ذلك الاندفاع من أمور قد يتأسف المرء على حصولها أو فقدانها .
إذ يغيب تحكيم العدل عندما يطغى البغض في غير مكانه، أو يتمركز الحب في غير مركزه، كما قال أحدهم :
“وعين البغض تبرز كل عيب وعين الحب لا تجد العيوب”
ونتيجة لهذه المعادلة المجحفة التي أوضحها وصاغها الشاعر ما يبين أثر الحكم الجائر عندما يغيب فقه الحب والبغض , وهو ذلك الفقه الذي يوازن بين حدود البغض وحدود الحب، ليتولد عنه الإنصاف الذي يؤدي إلى الحكمة العادلة .
فالبغض يتجاهل ويغيب المحاسن نتيجة سيطرته على بؤرة الشعور، وربما دفع به ذلك إلى تغيير صورة المحاسن إلى مساوئ، أو التقليل من قيمتها، وذلك بصرفها عن حقيقتها ,من خلال استخدام النية ( كأن يقول: أن نيته ليست كذا , بل كذا ) أو بتحريف الفعل ( وذلك بتصويره في صور غير صحيحة ) و ( هذا الفعل يقود إلى كذا , وهو خلاف ذلك) .
وكذلك الحب الذي يتغيب فيه العدل، يجر صاحبه إلى تحسين كل تصرف قولي أو عملي إلى صواب خالي من النقائص , وبالتالي تفسد الرؤيا , وربما أدى ذلك به إلى تجاهل الحقيقة , وتجاهل الأفضل في الأقوال والأعمال والاختيار والمواصفات, وبالتالي يتأثر القرار الأسري و الإداري أو المهني أو في مجال الصداقات وغير ذلك.
وهذا التجاوز يؤثر حتى في الإقتداء بالعقائد والعبادات والأخلاق وغيرها , فكم من الناس اقتدى بأشخاص فسدت بعض عقائدهم أو عبادتهم أو أخلاقهم نتيجة محبته لهم، وبالتالي غيب ذلك الحب معرفة الخير . وكم من أشخاص أقفلوا آذانهم عن قبول الحق لبغضهم أهل الفضل, فكان العائق هو مجاوزة البغض لحدوده , فغيب لديهم ما عند أولئك من الخير .
وللموضوع بقية في الإضاءة القادمة إن شاء الله تعالى .