إن العلاقة بين استقامة الأهداف وبين صلاح الوسائل تتفاعل تفاعلاً عظيماً في كل مواقف الحياة، وأنشطة الإنسان وفي جميع المجالات وعلى جميع المستويات، وسواء كان ذلك في المجال الدعوي أو التجاري أو العلمي أو الإداري، وسواء كان في مصالح عامة أو مصالح جزئية.
ومن أمثلة ذلك في نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم: عندما توجه المسلمون إلى فتح مكة، وعلى مشارفها قبض نفر من المسلمين على ثلاثة من قريش، وكان منهم أبو سفيان، فقال العباس رضي الله عنه : يا رسول الله ! إن هذا أبو سفيان، وهو رجل يحب الفخر، فقال صلى الله عليه وسلم: ( نعم.)
وفي هذا القول منه صلى الله عليه وسلم ما يؤكد الموافقة على ما توصل إليه ابن عباس من تشخيص لشخصية أبي سفيان قبل إسلامه، وفيه إدراك من ابن عباس رضي الله عنه إلى أهمية مراعاة الخصائص للتحقق الأهداف ، وما يتبع ذلك من اختيار الوسيلة المناسبة.
وفي هذا الموقف عدد من الاختيارات أمام رسول صلى الله عليه وسلم :
أ- أن أبا سفيان أصبح أسيراً، فإما أن يدخل في الإسلام، وإما أن يبقى أسيراً حتى يتم اتخاذ الإجراء المناسب في مثله.
ب- أن يقتص منه فيما كان منه يوم أحد والأحزاب.
ج- أن يساومه على إطلاق سراحه بما يحتاجه المسلمون في ذلك الموقف.
واختيار شيئاً من تلك الخيارات مبني على الهدف، هل هو تحقيق الانتصار، أو الإذلال، أو الاقتصاص.
ولما كان الهدف هو تحقيق العبودية لله تعالى، وتكثير سواد العابدين لله تعالى، وإنقاذ الناس من الكفر والشرك والجهل والنار، تساقطت وتهشمت جميع الخيارات أمام هذا الخيار، حيث جاء الاختيار الذي راعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الخاصية عند أبي سفيان في جاهليته، واستثمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لصالح تحقيق العبودية لله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم(من دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق باب داره فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن).
إن الهدف العظيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الموصوف بأنه رحمة للعالمين جعله يختار الوسيلة التي تحقق ذلك الهدف، فرفع من مكانة أبي سفيان وقدره، ليتحقق بذلك دخوله في الإسلام، والذي قد يتبعه غيره من قومه لمكانته وتأثيره على غيره.
وتنسحب هذه العلاقة بين الهدف والوسيلة في جميع أعمال الحياة (الداعي مع المدعو، والمربي مع المتربي، والرئيس مع المرؤوس، والرجل مع أهله، والمرأة مع زوجها، والمعلم مع طلابه، وفي اللجان، والاجتماعات- وغيرها)
وهذه المنهجية التربوية تؤكد وتبين أهمية تربية النفس والفكر على المنهجية النبوية العظيمة التى بها تتفتح العقول وتتحقق الأهداف، فالحمد لله رب العالمين الذي أنعم علينا بهذا النبى العظيم، وهذه المنهجية الإسلامية العظيمة. وصلى الله وسلم على خير خلقه.