ثم يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه (…فإذا أنا براعي غنم مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا، فلقيته فقلت: لمن أنت ؟ يا غلام ! فقال: لرجل من أهل المدينة، قلت: أفي غنمك لبن ؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب لي؟ قال: نعم. فأخذ شاة، فقلت له: أنفض الضرع من الشعر والتراب والقذى، (قال:فرأيت البراء يضرب بيده على الأخرى ينفض) فحلب لي في قَعْبٍ معه، كُثْبَةً من لبن، قال: ومعي إداوة أرتوي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم ليشرب منها ويتوضأ، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وكرهت أن أُوقِظَهُ من نومه، فوافقته استيقظ، فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله، فقلت: يا رسول الله ! اشرب من هذا اللبن، قال: فشرب حتى رضيت، ثم قال: ( ألم يأن للرحيل ؟ ) قلت: بلى، قال: فارتحلنا بعد ما زالت الشمس…) .
ومن فوائد هذا الحدث؛ لطفه صلى الله عليه وسلم في المعاملة، فلم يَقُل لأبي بكر الصديق: لنذهب، وإنما قال له ذلك بصيغة الاستفسار، (ألم يأن للرحيل) ولا شك أنها ألطف وأبلغ في التأثير، فكيف إذا كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه ؟ ويستفاد من ذلك أهمية استخدام أساليب التلطف من الأعلى للأدنى في مجالات الحياة المختلفة، مع الأبناء والزوجة والمرؤوسين، وغيرهم، فإنها وسيلة وغاية وأداة تؤدي إلى نماء العلاقات العامة بين الناس.
كما يتبين من هذا المقطع حرصه رضي الله عنه على سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن طلب من الراعي أن ينفض الضرع من الشعر والقذى والتراب.
اسم الكاتب: أ.د. خالد بن حامد الحازمي