إن المتأمل في السنة النبوية المشَرفة يدرك بصفة عامة أنها خطاب للنفس البشرية والعقل والقلب والفؤاد. ولا شك أن لهذه المخاطبة النبوية أعمق الأثر في نفس الإنسان وحسه ووجدانه وفكره وعقله , وسيرى القارئ لهذه المقالات النفسية ، أن التربية النبوية حافلة بكثير من المفاهيم النفسية التي تهتم بالنفس البشرية وتفهم خصائصها وترقى بوظائفها مما يدلك على عدم صحة ما يدعيه علماء النفس في الوقت الحاضر من ابتكار طرق وأساليب يدعون ابتكارها لأنفسهم مع ما في الكثير منها من تجاهل لخصائص النفس وقلة خبرة في مكامنها , بينما يتضح للقارئ الكريم بمجرد إلماحه بسيطة على بعض مضامين التربية النبوية للنفس الإنسانية فضل السبق لها في معالجة هذا الجانب النفسي , ودقة التصوير لكثير من حالات النفس ورسم الطريق الأوضح والأسلم والأصلح والأمثل بما يحقق أفضل النتائج ويسعى بالنفس إلى الكمال وغاية السكون والطمأنينة .
وإذا سلمنا بأن هناك ما يمكن أن نسميه علم النفس النبوي فإن هذا العلم يتميز عن غيره إلى جانب السبق التاريخي إلى أمور منها :
1- أنه علم روحاني , فهو لا يقدس المادة , ولا يربي أبناءه على التكالب عليها وإنما يهتم بالجوانب السامية والفضائل الكامنة في النفس الإنسانية .
2- أنه علم نفس أخلاقي في جوهره ومضمونه , فهو يهتم بغرس المبادئ والقيم والفضائل السلوكية
في بَنيِه .
3- أنه علم إيماني يستهدف غرس الإيمان في قلب الفرد ووجدانه وتأصيل هذا الإيمان وترسيخه مع تحويله إلى خير الوجود العقلي والسلوك العملي .
4- أنه علم نفس عقلاني , فلا مجال للخرافة أو الشعوذة أو الدجل والأفكار الفلسفية ولكنه يخاطب عقل الإنسان وفكره وحسه ووجدانه ويعتمد على الإقناع والبرهنة والتبصر في الأدلة والشواهد .
5- أنه علم يمتاز بالنظرة الشمولية التكاملية , فلا ينظر للغرائز فقط كمحرك للنفس البشرية , أو يقتصر على الجوانب العقلية , بل التربية النفسية النبوية تنظر للنفس ككل مُكَون للإنسان له عدة جوانب لكل جانب ما يخصه مع تكامل وترابط فريد .