تداعت قبائل من قريش إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبدالله بن جُدعان لشرفه وسنِّه، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تُرَدُّ عليه مظلمته، فَسَمَّتْ ذلك قريش حلف الفضول، وقد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (لقد شهدت في دار عبدالله بن جُدعان حلفاً ما أحب أن لي به حُمْر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت)
وروى الإمام أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، وما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه)
فلما أن الظلم تأباه النفوس المستقيمة وأصحاب الشيم الخلقية الكريمة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيد بذلك الحلف الذي انعقدت مراسمه في الجاهلية، موضحاً لو أنه دعي إليه في الإسلام لأجاب ولم يدفعه شنآن الجاهلية أن
ينكر ذلك العمل الأخلاقي النبيل، بل أشاد به وبحضوره صلى الله عليه وسلم وقد كان غلاماً، وإن حضور الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك الحلف وهو غلام رسَّخ في ذهنه تلك الصورة الخلقية الرائعة من التكاتف والتعاضد لنصرة المظلوم ورد مظلمته إليه، وهذا يؤكد تربوياً أهمية اشتراك الأبناء في المناسبات التي تحوي مكارم الأخلاق لترتسم صورتها في ذاكرتهم، فيرتسمون خطوطها، كما أن مشاركة الصغير وحضوره في ذلك لا ينقص من قدر المناسبة وأهميتها، بل إن فيها تدريب وإذكاء للجذوة الخلقية، والتعليمية.