القسوة تعني معاملة الأبناء بشتى أنواع العقاب المؤلم جسدياً ونفسياً بشدة ، واعتماد ذلك أسلوباً أساسياً في التربية. كالضرب بشدة، والتوبيخ والتقريع للابن أو أعماله، أو تخويفه بأمور مخيفة، أو تأنيبه المستمر وإشعاره بالإهانة والنقص والحرمان
واستخدام أسلوب الشدة في التعامل مع الأبناء ليس ممنوعاً على الإطلاق ، وإنما عندما يكون نافعاً ومؤدياً للمصلحة التربوية فإنه مقبول، ولكن بشروط وقيود، وذلك بأن يكون في الوقت المناسب ، وبالقدر المناسب ، وبالأسلوب المناسب ، وأن يكون بعد استخدام الأساليب الأخرى .
وينبغي على المربين وخاصة الوالدين استخدام أسلوب الرحمة والعطف والشفقة أثناء التربية ؛ لأنه هو الأصل في التعامل مع الأبناء ؛ قال صلى الله عليه وسلم (( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف )) وقوله صلى الله عليه وسلم (( من يحرم الرفق يحرم الخير )) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال بالرحمة، فيقبلهم ويسلم عليهم ويمسح رؤوسهم ويحملهم ؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان ؟ فما نقبلهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة )) وعن أنس رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهم ويمسح برؤوسهم، ويدعو لهم)) وعن عبد الله بن جعفر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته . قال : وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه . قال : فأدخلنا المدينة ، ثلاثة على دابة .
قال أنس رضي الله عنه (( ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
ويجب على المربين وخاصة الوالدين أن يبتعدوا عن استخدام أسلوب القسوة، وأن يجعلوه آخر الحلول في التأديب، ومما يعين على ترك استخدام أسلوب القسوة ما يلي :
1- تذكر فضل الرحمة بالناس وخاصة الأبناء ، قال صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، الرحم شجنة من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ))
2- تذكر الوعيد الشديد على ترك الرحمة ؛ قال صلى الله عليه وسلم (( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله )) وقوله صلى الله عليه وسلم (( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ))
3- تذكر الآثار الإيجابية للرحمة بالأبناء وهو إشعارهم بالمحبة والمودة والطمأنينة والأمان، وهذه الأمور تؤدي إلى بناء شخصية الأبناء وتجعلهم في تآلف مع والديهم .
4- تذكر الآثار السلبية على ترك الرحمة واستخدام أسلوب القسوة. من ذلك ما ذكره ابن خلدون في مقدمته : (( من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم ، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها ، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث ، وهو التظاهر بغير ما في ضميره ، خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، وعلمه المكر والخديعة لذلك ، وصارت له هذه عادة وخلقاً ، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن ، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله . وصار عيالاً على غيره في ذلك))
ومن آثار القسوة أيضا (( كراهية الأطفال لمنازلهم وأسرهم، وعدم الرغبة في البقاء فيها ، أو استمرار حياتهم مع والديهم أو ذويهم ، ومن هنا يفرون إلى الشوارع والطرقات ، والجماعات المختلفة ، حيث يجدون حرية أوسع وأكبر ، الأمر الذي يعرضهم إلى الكثير من ألوان الانحرافات السلوكية المختلفة ، أو أن يمارسوا ألواناً من السلوك المضاد للمجتمع ، يُعَدّ التشرد والإجرام أبرزها وأوضحها )) .
ويمكن تلخيص واستنتاج الآثار السيئة للقسوة من النصين السابقين وأهمها ما يلي:
أ- الشعور بالنقص .
ب- ضعف الشخصية مما يؤدي إلى عدم القدرة على المناقشة وإبداء الرأي والدفاع عن النفس والأهل وغيرها .
ج- التعود على الكذب والخبث والخداع حيث يظهر ما لا يبطن بسبب الخوف .
د- عدم المبالاة والاهتمام بالأمور الشخصية أو للغير .
هـ- ضعف العلاقات الاجتماعية وخاصة مع الوالدين .
5- التفريق بين القسوة والحزم ؛ لأن عدم التفريق بينهما قد يؤدي بالشخص إلى استخدام القسوة ظناًّ منه أنه يستخدم أسلوب الحزم ، وأهم الفروق بينهما ما يلي :
أ- أن الحزم يكون عن دراية وبصيرة بظروف الموقف ومقوماته ، بل وبحالة الشخص ، بينما لا تضع القسوة للظروف الموضوعية والنفسية اعتبار .
ب- أن الحزم يكون لمصلحة الشخص ، بينما تكون القسوة نتيجة انفعالات من المربي . فالشخص الحازم لا يصدر في حزمه إلا عن معرفة أكيدة بأن حزمه موصل إلى الطريق السليم ، وأنه يستطيع توظيف حزمه في حياة المرِِِِبى والوصول به إلى الحياة السوية وإلى المستقبل المأمول .
أما الشخص القاسي فإنه لا يستطيع أن يميز بين ما يفيد المربى وبين ما يضره . وإنما هذه القسوة ناتجة عن انفعالات تجيش في صدره غير متبصر بالعواقب .
ج- أن الحزم يعرف أكثر من طريقة لإلجام نزوات المربى بينما لا تعرف القسوة إلا طريقاً واحداً لذلك وهو طريق القهر والقمع .
د- أن الحزم يساعد المربى على الاستقلال التدريجي ، بينما لا تحقق القسوة إلا الاستذلال وفقدان الإحساس بالمسؤولية وامتناع تبلور الشخصية .
هـ- أن الحزم يشعر بالحب الصادق بينما القسوة تشعر بالكراهية.