وقد أرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة ابنة أبي ذؤيب، وإنه لمن عادة العرب أن يسترضعوا أبناءهم في البدو, ابتعادا ًبهم عن أمراض المدن, ورغبة في تقوية أجسادهم, وتعويداً وتربية لهم على الاعتماد على النفس منذ الصغر؛ بعيداً عن تدليل الأمهات والجدات وبقية الأقارب, وتقويماً لألسنتهم من اللحن وغيره من مفسدات اللغة
ولئن كان هذا هو ديدن العرب قديماً؛ وهو ما حصل لنبي هذه الأمة أيضاً فإن الجدير بالتربية المعاصرة اليوم أن تُعْنَى بأجساد الأبناء ولغتهم؛ وإبعادهم عن كل ما يفسدها, وإبعاد كل ما يفسدها عنهم، حتى لا ينشأ الطفل نشأة سيئة في خُلُقه ولغته وتربيته, وكم من الآباء يرحل بأبنائه من مجتمع لآخر من أجل الكسب المادي, ولا يرحل بأبنائه من حي لحي أو من مدينة لأخرى من أجل الحفاظ التربوي على الأبناء من الخلطة الفاسدة التي قد تكون في حي من الأحياء، أو في مدينة دون أخرى.
ومما اشتهر في بعض كتب السير أنه باسترضاع حليمة للنبي صلى الله عليه وسلم دَرَّ ثديها اللبن بعد أن كان ابنها يبكي من الجوع؛ من قلة اللبن أو عدمه، فشرب منه النبي صلى الله عليه وسلم حتى رَوِيَ، وشرب معه أخوه حتى رَوِيَ، وكانت لها أتان شارف أي مسنة هزيلة؛ فأضحت الراحلة قوية تسير في نشاط وحيوية
وفي هذا الخبر ما يدفع الإنسان المسلم إلى التقدم إلى الخير من كفالة الأيتام والعناية بهم، فقد يكون ذلك سبب في ورود الخير لكافل اليتيم، ويدفع الله عنه غائلة الجوع والفاقة، وإن كان في نعيم زاده وبارك له، فإن في رعاية الأيتام التربوية والنفسية والمعيشية ما يبني فيهم حب المجتمع وحب المحسنين والعمل بإحسان في حياتهم، مع البعد عن ظلمهم وكسر خواطرهم بالكلمة أو الفعل، ويكفي المرء من رعاية اليتيم ما سيجده حتماً عند مليك مقتدر؛ أخبر به صلى الله عليه وسلم ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وقال بإصبعيه: السبَّابة و الوسطى ) وإنها لمنـزلة عزيزة أن يكون المسلم في معية رسول الله صلى الله عليه وسلم .