لقد جاءت البشارات ببعثته صلى الله عليه وسلم على لسان الأنبياء، قال الله تعالى(وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يديَّ من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين)
وأما في التوراة والإنجيل فقد وقع التحريف فيها، وحُذِف منها التصريح باسم محمد صلى الله عليه وسلم إلا توراة السامرة، وإنجيل برنابا، الذي كان موجوداً قبل الإسلام، وحرمت الكنيسة تداوله في آخر القرن الخامس الميلادي
وفي قصة سلمان الفارسي بخروجه من بلاده فارس إلى بلاد الشام بحثاً عن الدين الحق دليل على ذلك. حيث وصل في سفره إلى أسقف النصارى، وأخذ يرحل بوصاية من أسقف لآخر حتى وصل إلى أحدهم، فعندما حضرته الوفاة، قال له سلمان: إلى من توصي بي ؟ فقال: أي بني ! والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكن قد أضلك زمان نبي، يُبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة، ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل
وفي هذا دليل على حسد اليهود وكرههم لغيرهم، وخاصة العرب، ومكرهم وإخفائهم للحقائق وعدم أمانتهم، مما يؤكد أهمية أخذ الحيطة والحذر منهم، ومن أعمالهم ومكرهم، وقد قال الله تعالى عنهم (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما، ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)
وقد أعطانا سلمان الفارسي رضي الله عنه القدوة الجادة الباحثة عن الحق، وتحمل عناء السفر والغربة وما فيها من كربات؛ رغبة في الدين الحق الذي يرضى الله به عن عبده، وبَذَلَ في ذلك الغالي والنفيس، وعرَّض نفسه للأخطار والمهالك، ولكن هان ذلك في سبيل طاعة ربه عز وجل، فكيف بمن وصله الدين وهو على فراش أهله وثرى بلده ؟ وبالرغم من ذلك لا يُحَفِّز نفسه على التمسك بأهداف دينه وواجباته وفرائضه، ويتحلى بسننه العطرة. ففئتان لا تلتقيان سلمان الفارسي الجاهل ببعثته صلى الله عليه وسلم فيبحث عن الحقيقة، واليهود الذين عرفوا الحقيقة ويهربون منها، بل ويضلون الناس وينحرفون بهم عن الحقيقة، فذلك مثل الذي يقعدُ على دروب الخير ليصد الناس عنها بالكلمة والحرف والقرطاس والقلم، فيسعى وأمثاله إلى إشباع أهوائهم ورغباتهم ونزواتهم، ومثل الذي يبحث عن الحق ويسعى لمعرفته.
ولئن كان سلمان الفارسي يضرب بذلك مثلاً رائعاً، فإن هناك من عرف حقيقة مبعثه صلى الله عليه وسلم ويأمل أن يدركها ويدخل في الإسلام عند حدوثها، ومن أولئك زيد بن عمرو بن نفيل، حيث يقول عامر بن ربيعة، قال سمعت زيد بن عمر بن نفيل يقول : أنا أنتظر نبياً من بني إسماعيل ثم من بني عبدالمطلب، ولا أراني أدركه، وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك
فمعرفة الحقيقة توجب على العاقل التصديق بها، واتباع الحق وعدم التعالي على الخالق سبحانه وتعالى، ونبذ الحسد وتطهير النفس منه، لأنه المانع من الانقياد للحق والإذعان له، فكم غابت عن الحساد منافع ومصالح كانوا منها قريبين، فبَعُدَت عنهم كبعد المشرقين للحسد والكبر الذي يعتلي بعض النفوس