من المعروف أن التوجيه العملي أكثر أثراً من التوجيه اللفظي، ولكن من أبرز القصور في التوجيه التربوي استعلاء التوجيه اللفظي على التوجيه العملي.
بل ربما أن التوجيه اللفظي يقابله توجيهاً عمليا مخالفاً ومناقضاً له. مما يغرس الحيرة والشك لدى المتربي أو الموعوظ بالموعظة، لأنه يرى سلوكا مخالفاً لأقوال وإرشادات من يربيه ويعظه من والدين وإخوة أو مدرسين، أو رؤساء في العمل…أو غيرهم.
وقد حذر الله تبارك وتعالى من هذا السلوك، فقال تبارك وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)
وبالتالي فإن من أسباب الإخفاقات التربوية لدى الأسرة وغيرها هو عدم الاكتراث بالجانب التطبيقي، والعناية بالتوجيه اللفظي الذي يقابله أحيانا القصور في التطبيق.
فكم يقال للأبناء : لا تكذب. وربما يعاقب على ذلك، وفي نفس الوقت يقال لهم أخبروا من يسأل عني أني مسافر أو …أو… ويقاس على ذلك صور كثيرة ومتنوعة.
وبالتالي يلزم أن تتضافر الأساليب القولية مع العملية حتى يحصل الأثر البالغ في النفوس.
والتربية النبوية ركزت على الجانب العملي إلى الجانب القولي، ليتضافرا جميعا، فيحدث الاقتداء والقناعة التامة بالقول والتطبيق.
فقد أمر صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح بالفطر، ثم تناول القدح فشرب، فلما رأوه شرب شربوا. لأنه يشق على الصحابة رضي الله تعالى عنهم تقديم الإفطار على الصيام، لما استقر في نفوسهم من فضل الصيام، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد أفطر تحقق لهم عملياً أن الفطر أولى لهم في هذا الموقف.
وقد أخذ الصحابة رضي الله تعالى عنهم بهذا المبدأ في شؤونهم، حتى في أثناء العملية التعليمية، ومثال ذلك: أن عمرو بن أبي الحسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي يتأكد تربوياً أن قضية المبادرة العملية خير وسيلة في ترسيخ المعاني والأخلاق والعبادات والاعتقاد.
ومع ذلك كله لا غنا لنا عن الدعاء والالتجاء إلى الله تبارك وتعالى بأن يُصلح حالنا وحال من نحن مسئولين عن تربيتهم.