من أساليب التربية الأخلاقية والاجتماعية في الإسلام ضرب المثل، ذلك الأسلوب التربوي الأمثل في حمل النفس على الخير أو تحذيرها من الوقوع في الشر، عن طريق تقريب المعنى الذي ربما يغيب عن الذهن في صورة قريبة من الحس، تستحضرها العقول فتتصورها الأفهام، كل ذلك في قوالب أدبية و أساليب بلاغية تخاطب الوجدان والعقل والعاطفة على حد السواء (أ) .
والأمثال كطريقة تربوية من أشهر طرق التربية والتعليم على وجه العموم، وذات اثر عميق في تنمية القيم الأخلاقية والاجتماعية لدى النشء على وجه الخصوص، لما لها من تأثير ايجابي في العواطف والمشاعر وفي تحريك نوازع الخير في النفس البشرية (ب) .
وقد عرّف المثل بأنه ( تشبيه شيء بشيء في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو احد المحسوسين من الآخر واعتبار احدهما بالآخر ) (ج) .
ولقد أولى الرسول صلى الله عليه و سلم طريقة ضرب المثل و التشبيه أهمية كبرى باعتباره أسلوبا فعالا و مؤثرا في عملية تعليم القيم الأخلاقية والاجتماعية وتنميتها فقد استعان لتوضيح مواعظه بضرب المثل مما يشاهده الناس بأم أعينهم ويقع تحت حواسهم وفي متناول أيديهم ليكون وقع الموعظة في النفس اشد وفي الذهن أرسخ
وقد تميزت الأمثال النبوية الشريفة بالقوة البلاغية و الاقناعية، وروعة الوضوح في تجسيد المعنى المقصود، وتصويره في صورة حسية تجعله أمرا ماثلا أمام السامع، ويتضح ذلك من خلال ما ورد في الحديث الصحيح عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) (د) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يغرس في أصحابه وأمّته من بعده بعض القيم الأخلاقية والاجتماعية الهامة التي تساهم في تحقيق التكافل الاجتماعي كالتراحم والتعاطف والتواد ، عن طريق ضربه للمثل البليغ مستخدما في ذلك قوة الإقناع العاطفي والعقلي ، من خلال تشبيهه أفراد المجتمع المسلم في تعاملهم على أساس تلك القيم وهي أمور معنوية، بأمر حسي مشاهد وهو الجسد القوي الذي إذا اعتل فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
ومن خلال ما سبق يتضح أن ضرب المثل يعد من ابرز الأساليب التربوية الناجحة و المؤثرة في التربية الأخلاقية والاجتماعية ، ولهذا ينبغي على المربين العمل على تحقيق هذا الجانب من تربية السلوك و الإرادة الطيبة و النزوع إلى الخير، وذلك باستحضار الأمثال النبوية والقرآنية في المواقف الحياتية والنشاطات المدرسية ،و التعقيب عليها بذكر نتائجها السلوكية و الاجتماعية الطيبة بأسلوب يقوي إرادة الخير عند الطلاب و يحقق عزمهم على توجيه سلوكهم بما تقتضيه الأمثال التربوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(أ) الحدري، خليل عبد الله .التربية الوقائية في الاسلام ص227
(ب) الزنتاني ، عبد الحميد . اسس التربية الاسلامية في السيرة النبوية ص210
(ج) ابن قيم الجوزية . الامثال في القرآن، ص173 .
(د) صحيح مسلم .
اسم الكاتب: أ. محمد البوعلي (تونس)