جاء في مسند الإمام أحمد : (( أن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالو: مه، مه ، فقال: أدنه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال : أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لبناتهم؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، …. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء )) .
ففي هذا الأثر طلب الشاب من الرسول صلى الله عليه وسلم الرخصة بالزنا وركوب الفواحش بأسلوب صريح منفّر. ولكن تأمل معي أخي الحبيب إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب وتعامله معه . كان موقفه صلى الله عليه وسلم موقفاً حكيماً، ومعلماً بارعاً؛ حيث عالج هذه المشكلة بهدوء وروية، فلم ينهره صلى الله عليه وسلم ولم يعنفه، بل طلب منه أن يدنو ويُقْبل عليه، في حين أن بعض الصحابة قد زجروه، كما في الحديث (( فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه )) ، ثم بدأ معلم الخير في إقناع الفتى باستعمال الحوار العقلي والموازنة بين الحقائق الفطرية في الناس. حيث قال : (( أتحبه لأمك ؟ )) (( أفتحبه لابنتك؟)) (( أفتحبه لعمتك؟ )) إلخ … ومن البدهي أن يكون الجواب : لا؛ لأن نفس المرء تأنف أن يتعرض أحد على قرابته بالأذى.
وهذه المبادرة النبوية بأسلوب الإقناع الفكري ولّدت في نفس الشاب القناعة، وعلمّته مقاصد الشريعة وحِكَِمِها من تحريم هذا الفعل الشنيع، وإلا كان من الممكن أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : هذا حرام، ولا يجوز، وينكر عليه، ويسرد له من أدلة القرآن الكريم على تحريم الزنا، ولكن تبقى قضية القناعة لا تأخذ حقها في النفس .
ثم ازدان مع هذا الحوار النبوي الجميل والمقنع أن تلطف الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب حيث وضع يده الشريفة على صدر الشاب، ودعا له بالمغفرة والطهر … وهذا الدعاء النبوي الكريم بمثابة العلاج لشهوات النفس لدى الشاب ، فكانت ثمرة هذا الحوار والعلاج النبوي كما في الأثر: (( فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء )) .
وفيما سبق درس دعوي تربوي للدعاة والمربين بأن يأخذوا أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته للأمة، من الإقناع الفكري ، والتلطف بالمتربين، والدعاء لهم بالبركة والخير والمغفرة .
اسم الكاتب: د. أبو الحسن الفطاني علي مهاما (تايلند)