بالرغم من عناية الشريعة الإسلامية بتربية الصغير على الحفاوة والتكريم للأكبر إلا أن ضعف الممارسة التربوية لذلك، جعل الكبير يفقد شيئا من حقوق التكريم والحفاوة، ولهذا السلوك غير الأخلاقي من الآثار النفسية ما لا يدركه إلا ذوي المشاعر الفياضة والأحاسيس المرهفة والأخلاق الكريمة.
فإن من تقدم على غيره في السن يشعر في تقصير ممن هو دونه اختلاس لحقه، وإجحاف لما يجب أن يكونوا معه عليه. وهنا يتألم كمداً ويتحسر غما، ويتكسر وجدانه، وربما تآكلت عواطفه فانبجست مدامعه في داخله من فرط ألمه مع رباطة جأشه، بأن لا يرى أحد مكامن الأسى التي لحقت به.
وحبس الحقوق تتخذ صورا متعددة: كحرمانه من المشورة، ولا سيّما ممّن يحيطون به، وعدم تقديمه فيما يجب أن يكون متقدما فيه، وكذلك تلفظ من هم دونه فيما بينهم بألفاظ لا تليق بمقامه، ولا يجوز أن تذكر أو تقال عنده، لرفعة مقامه وسمعه عن تلك السقطات اللفظية، بل ربما تلفظ عليه غير العارفين له بألفاظ لا تصح مع الأقران، فكيف تليق بمنزلته ومكانته.
وهناك صور أقوى وأدنى مما تم ذكره من هضم الحقوق، ولكن ذكر بعضها يغني عن بعض.
والكبير ليس هو الطاعن في السن فقط، وإنما الكبير كل من تقدم على غيره في عمره، فصاحب الخمسين كبير على صاحب الأربعين، وصاحب الأربعين سنه كبير على من هو دونه، ويتأكد ذلك إذا ظهر المشيب في لحيته ورأسه.
والكبير في العلم مماثل للكبير في السن، بل له من الحق ما قد يتجاوز الأكبر منه سِنّاً، فقد قدَّمه الإسلام للإمامة حتى على من يكبره سنا.
لمنزلة العلم الذي رفعه الله تعالى به. فقال تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )
وقال صلى الله عليه وسلم في الإمامة (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله….)
وفي منهج شريعة الإسلام التربوي، أنها رتبت على تقدير الكبير قدرا عظيما من الأجر والثواب، بل قرن الله تعالى إكرام الكبير المسلم بإجلاله تبارك وتعالى، فقال صلى الله عليه وسلم ( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم )
وقال صلى الله عليه وسلم (يسلم الصغير على الكبير )
وقال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه )
فهذه النصوص النبوية تؤكد أهمية إجلال الكبير ومعرفة حقه ومكانته، وذلك استجابة وطاعة الله تعالى؛ خاصة إذا اجتمع في الكبير العلم والسن فالاستخفاف بها استخفاف بدين الله تعالى لأن العالم حامل لميراث النبوة.
وهذه المنهجية الإسلامية في بيان حق الكبير توجب على الفرد أن يربي نفسه ويطوعها على ذلك. وأن يسعى إلى غرس ذلك في نفوس الأجيال بالتطبيق والممارسة، وبالتوجيه والإرشاد.
كما يلزم الكبير أن يكون قدوة في وقاره وحشمته؛ حتى يعين الآخرين على إعطائه حقوقه.
وختاما فإن إضاعة هذه الأخلاق خطر جسيم على الأمة، من خلال قطع الماضي بالحاضر، وحجب خبرة الكبار عن الصغار، وغير ذلك كثير.