إن من أقوى معضلات التقدم استشعار اليأس بعد الفشل، مما يثير في النفس الإحباط، فلا ترى العين إلا ظلام الحياة، ولا تسمع الأذن إلا صوت القهر، فيذبل النشاط وتتهشم المعنويات، فيرى الإنسان الحياة صراع بين التطلع وويلات الفشل.
وبالتالي يزداد فشلاً في أسرته أو مهنته أو مع أصدقائه، وربما في مناشط الحياة المختلفة.
إن الحياة محفوفة بالنجاح والفشل، في بيت الزوجية أو الحياة الدراسية أو المهنية أو الاجتماعية أو التجارية. فلا يخلو حقل من حقول الحياة إلا ونتائج النجاح والفشل محفوفة به، فيظهر ذلك في تضاريسها وأوديتها وبين شعابها، كالجبال أحياناً وكالتلال أحياناً أخرى.
فمن يرى الحياة نجاح فقط لا يتحمل ذهنه وكاهله مرارة الفشل، ومن يرى الفشل بحر لا يعبره أحد تخور قواه بين أمواج الفشل.
فما هي حقيقة الفشل ؟
إن الفشل هو السقوط أثناء السعي.
وهو أمر منوط بالفرد والمجتمع، ولا تسلم منه الأمم فضلاً عن الفرد من البشر.
ففشل الطالب في دراسته فرصة لزيادة الخبرة والبحث عن الأسباب وإزالتها ليتحقق النجاح، وكذلك الفشل في تحقيق السعادة الأسرية فرصة لمعرفة أعماق وسواحل هذه الحياة ومعوقاتها ووسائل النجاح فيها، وكذلك فشل التاجر في تجارته وصاحب المهنة في مهنته وغيرها من مسارات الحياة المختلفة تتيح للمرء المزيد من الخبرة لاكتشاف نواقص الفهم والإدراك لديه، فتزداد خبرته في ذلك، حتى يتلافى عوامل الفشل في مقتبل حياته فيتحقق النجاح تلو النجاح.
معالجة الفشل:
إن من أقوى أسباب معالجة الفشل:
1 ـ معرفة سُنن الله تعالى الاجتماعية في النجاح والفشل،لأن معرفة سنن الله تعالى من أعظم أبواب النجاح. قال تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)
2 ـ الإفادة من أسباب الفشل لمعالجتها حتى يتحقق النجاح.
3 ـ تعليق الفشل على الذات أولاً، بمعنى أن يلوم الإنسان نفسه أولاً، ولا يعلق فشله على الآخرين كأن يقول الطالب: كان المدرس السبب في فشلي، ويقول الموظف رئيسي أو زميلي هو السبب في فشلي، والزوجة أو الزوج يقول بعلي أو بعلتي السبب فيما يحصل أو فيما حصل. فهذا النهج يجعل بصيرة المرء لا ترى الحقيقة كما هي، بل تراها في سراب لا نهاية له. فيجري تعباً ولهثاً دون الوصول للحقيقة.
4 ـ الجمع بين الأخذ بالأسباب وبين الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى بأن يحقق له النجاح، مع عدم الاتكال على الأسباب فقط، فلو كانت الأسباب كافية لفَشِل المؤمنون يوم غزوة بدر الكبرى، لأن عددهم ثلث عدد العدو، ولكن سخر الله تعالى لهم أسباب النصر بإرادته وعونه فنجو من الفشل كما قال تعالى (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلّم)، فَغَيَّرَ اللهُ تعالى عوامل الفشل إلى عوامل نجاح بإذنه وتوفيقه.
إذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
5ـ الحرص على النجاح وإعادة المحاولة مرات ومرات بعد الفشل. قال صلى الله عليه وسلم(احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).
6ـ تربية النفس على الصبر والجدية والاهتمام باكتساب الخبرة.
7ـ العلم بأن ثمن المجد والنجاح عظيم، وكل يأخذ بقدر ما يدفع.
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
8ـ أخذ العبرة من سيرة الناجحين، فلم يكن الفشل في حياتهم إلا أحد الدوافع للنجاح .
ومنهج الإسلام لا يغرس في نفوس المؤمنين اليأس بعد الفشل، بل يدفعهم لأخذ العبرة والتفتيش عن أسباب الفشل، ثم الحرص والعمل. فكم واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعوقات في دعوته، ولكنه لم يستسلم لها، بل كان قويا حريصاً على دعوته، حتى توفي صلى الله عليه وسلم وقد بَلَّغ رسالته على أكمل وجه.