الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد اهتم الإسلام بكبار السن اهتماماً يليق بمكانتهم وخبرتهم، وبما قدموه لأبنائهم ولجيلهم ولمن بعدهم، وهو المسلك الخُلُقي العظيم الذي يربي به الإسلام أتباعه، فقال صلى الله عليه وسلم ( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة) وقال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا).
ولم تكن مرحلة الشيخوخة للتوقف عن دائرة العطاء والإنتاج والمشاركة والبناء، حتى وإن كانت القدرة الجسمية ليست كما كانت، فهي تعطي بما يتناسب مع حالها.
إنها المرحلة التي تتأجج بالخبرة العميقة، والتي تحمل في طياتها صعوبات الماضي، وخبرات من عَرَّكته الحياة، وكابدته الأيام بشظف العيش، والمواقف المحرجة والمؤلمة والصعبة والسارة أحيانا. فهي تحمل خبرة التعامل، وحَلّ المشكلات، والخبرة في الصرف والإنفاق، والخبرة في مواجهة المصاعب بالمطالب.
ومشكلة اليوم تكمن في عدم التفاف الشباب حول الكبار، لأخذ تجاربهم وخبراتهم التي يقطعون بها مسافات الحياة، ويبدؤون من خلال مكتسباتها المتراكمة، بما فيها من الصواب والأخطاء.
ومن هنا يمكن لمراكز ونوادي الأحياء السكنية تفعيل هذه الثروة وكشف مكنونها ومخزونها من الخبرة الإيجابية والسالبة لها. وتقديمها للشباب ولجيل اليوم والمستقبل بإذن الله تعالى، من خلال الباب الذي جهلوا الولوج إليه، فيقدمون مجموعة من كبار السن في ندوات متعاقبة، للحديث عن مواجهاتهم لشظف العيش، وفي ندوة أخرى عن صبرهم على مُنَغِّصَات الحياة الأسرية
وندوة عن تجربة بعضهم في السفر والترحال لكسب لقمة العيش،وندوة فيما فاتهم من العلم والمعرفة، وندوة أخرى عن ما كان يصيبهم من الحروب الطاحنة بين القبائل نتيجة الجهل، وما يحدث تبعا لذلك من الدمار والتقاطع والخوف، ليعرف جيل اليوم نعمة العلم ونعمة الأمن. فبمثل هذه الندوات يشعر الكبار بمكانتهم وعظيم خبرتهم، وتستفيد الأجيال من ذلك العطاء بما فيه من الصواب، وما يحدث فيه من أخطاء. لأن حياة المرء مزيج من ذلك، فليس النجاح يخلو من الكدر والخطأ.
وبهذا العمل يتلاقى الكبار والصغار على مائدة مشتركة، تقدم النفع والخير والتجربة التي لن تخلوا من الطرفة المفيدة.