لقد تعهد منهج الإسلام في تربيته الاجتماعية إحداث موازنة في تفاعل العلاقة الاجتماعية، بما يجعل عوامل الجذب تتوقد في النفوس، وعوامل التكفف حاضرة في القلوب. ومن ذلك أنه يأمر بما يحقق التلاحم والتراحم الاجتماعي من خلال الإحسان لأفراد المجتمع من ذوي القربى والجنب وابن السبيل والعاجز واليتيم والأرملة والمسكين وغيرهم. وفي نفس الوقت يوجه أفراده التوجيه الذي يوجب التفاعل الإيجابي من غير استغلال لليد العليا.
وذلك لتتربى النفوس على العطاء، ويتربى الطرف الآخذ على عدم الاستغلال، لأن في التكفف غنية أخروية عن التكثر بما عند الغير.
فالإسلام يأمر ويحث أن يتفاعل المسلم مع إخوانه في كرباتهم ونوازلهم بقضاء حاجاتهم المادية والمعنوية أو الاجتماعية، كما قال صلى الله عليه وسلم (خير الناس أنفعهم للناس) وقوله صلى الله عليه وسلم (كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)
وفي نفس الوقت يحث المنهج التربوي الإسلامي الطرف الآخر على التعفف، وعدم النظر إلى ما زاد عند إخوانه، وأن يستغني بما هو عنده من القليل عما في أيدي الآخرين من فضل وكثرة، وأن لا يكون عالة على غيره، فعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يتقبل لي بواحدة وأتقبل له بالجنة؟ قال: قلت: أنا. قال: لا تسأل الناس شيئاً. فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد: ناولنه ، حتى ينزل فيتناوله) أحمد رقم 22385 وفي رواية (من يتكفل لي أن لا يسأل شيئا وأتكفل له بالجنة ؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحداً شيئاً) مسند أحمد برقم(22374) حديث صحيح.
فهذه المنهجية التربوية الإسلامية تربي أفراد المجتمع على العزة والكرامة، والاعتماد على النفس بعد الله تعالى، فيكونوا بذلك مشتغلين بأنفسهم لأنفسهم، ومتشاغلين عن ما في أيدي غيرهم مما يطمع فيه الإنسان.
ففي هذا التوجيه النبوي الكريم بيان لعظم التعفف والتكفف عما في أيدي الناس، وأن المؤمن بهذا السلوك الخلقي العظيم يحظي بالأجر العظيم، وهو دخول الجنة.
وفيه عظيم هذا الدين الكريم الذي يوجه أتباعه إلى مكارم الأخلاق وأحسنها بالتوجيه والثواب والأجر العظيم، وهي المنهجية التربوية التي تبين للمسلم أهمية الإثابة كأسلوب تربوي للحث على فعل الخيرات.
وفيه من الأساليب التربوية التوجيه بالخيار والتفضيل والمقارنة، إذ أنه صلى الله عليه وسلم يقول لهم (من يتقبل لي بواحدة وأتقبل له بالجنة)ففي هذا الطرح النبوي أسلوب الاختيار والانتقاء، وهو أدعى لقبول النفس، مما يؤكد أهمية استخدام الأساليب التربوية التوجيهية المماثلة لأسلوبه صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث حرص الصحابة رضي الله تعالى عنهم على الاستجابة لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسارعة في ذلك، والصبر على تعب الالتزام مهما كلف الأمر، حتى أن ثوبان رضي الله عنه يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد: ناولنه، حتى ينزل فيتناوله.
مما يؤكد ويبين أن جيل الصحابة هم جيل الإقتداء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه أن منهج الإسلام يعطى على العمل القليل الأجر العظيم، وأنه دين الأخلاق والمكارم والآداب. فاللهم أدبنا بآدابه، وزينا بأخلاقه ،ووفقنا لاتباع رسولك محمد صلى الله عليه وسلم.