يتجاذب هذا الموضوع مفاهيم ثلاثة: فهناك من يذم غريزة الغيرة، ويجاهد نفسه على قتلها، واجتثاثها من القلوب. وهناك من يغالي فيها حتى تصل إلى درجة الفرقة والتقاطع بين الزوجين، ومفهوم ثالث يتوسط في مفهومها بما ينعكس على الإفادة منها واستثمارها بالصورة التي وجدت من أجلها.
والغيرة غريزة من الغرائز الفطرية التي امتن الله تعالى بها على الإنسانية ، والتي منها غيرة المرأة على زوجها، وغيرة الزوج على زوجته.
وقد قال صلى الله عليه وسلم ( أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه ، والله أغير مني ) وهذا الحديث يدلل على إثبات الغيرة عند الرجل، وأنه كلما قوي إيمان الإنسان قوية غيرته على أهله، ولذلك فإن غيرة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيرة سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، وهو القائل ( لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه)
وفي غيرة المرأة تقول أم سلمة رضي الله عنها(إني امرأة شديدة الغيرة) وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها (ذكر رسول الله يوما خديجة فاطنب في الثناء عليها فادركني ما يدرك النساء من الغيرة )
وهذا يبين أن الغيرة أمر طبيعي. وهو الذي تجده المسلمة تجاه زوجها، ويجده المسلم تجاه زوجته. ولا يخفق عند أحد إلا خيف عليه من ضعف الإيمان. بسبب ضعف تربيته لنفسه.
والغيرة قد تكون حقيقية، وهي تلك الغيرة المبنية على أساس وبينة، وقد تكون غير حقيقية، وهي تلك الغيرة المفتعلة بالظنون والأوهام، وهي التي تدمر الحياة الزوجية ، وقد جاء في الحديث ( من الغيرة ما يحب الله ، ومنها ما يبغض الله ، فأما التي يحبها الله : فالغيرة في الريبة ، وأما التي يبغضها الله : فالغيرة في غير ريبة)
وفقدان الغيرة أو ضعفها يقتل عند الإنسان الإحساس العاطفي بين الزوجين، والذي قد يؤل بهما إلى الفرقة، نتيجة عدم وجود دواعي المودة التي قتلت باجتثاث الغيرة. لأن الغيرة تدفع الطرفين نحو الحفاظ على الآخر من الانحراف في العلاقات الزوجية، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرة الله تبارك وتعالى ( من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن . ولا شخص أغير من الله . ولا شخص أحب إليه العذر من الله . من أجل ذلك بعث الله المرسلين)
فالغيرة دون وجود دواعيها وأسبابها أمر في غاية الخطورة على الحياة الزوجية، وكذلك التتبع والشك في غير مكانه من أخطر ما يهدد الحياة الزوجية.
وتحتاج المرأة أن تصبر على ما تجده من غيرة ليس لها دواعي غير محبتها لزوجها، فإن في صبرها الأجر العظيم ، فقد جاء في الحديث (المرأة تصبر على الغيرة فلها أجر شهيد)
والغيرة نعمة عظيمة، إذ أنها تحفظ على الأسرة حيويتها وتجاذبها وتفاعلها. فهي دليل على المحبة، وعلى التواد والتراحم، فالذي لا يحب لا يغار.
ويجب على الرجل أن يراعي عند زوجته هذه الخاصية، فلا يعمد إلى اقتلاعها، فيؤدي ذلك إلى طلاقها. بل ينظر لها من زوايا التواد والتراحم .
وهي كذلك عند الرجل بنفس القوة إلا أنه أكثر ضبطا لها، لما أعطاه الله تعالى من القدرة على ضبط النفس.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لفهم خصائصنا ونعمل من خلال توجيهات منهجنا الإسلامي العظيم. وأن يسددنا ويوفقنا للصواب.