الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
تتهافت النفوس على ما تتطلع إليه من المكانة والرفعة بين الناس، وقد تبذل في ذلك الغالي والنفيس. ومنها ما هو محمود فيما امتدحه رب العالمين (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) وهي مطارح الفلاح والخير الذي يقرب العبد من ربه يوم يلقاه في ذلك اليوم المشهود (ثم توفى كل نفس ما كسبت)
ومنها ما هو إلا محمود أو مذموم بمقتضى نوع النية والعمل، كالرئاسة والولاية في صغيرها وكبيرها. فهي محمودة لمن أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها، كما جاء في الحديث ( إنها خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) وهي مذمومة لمن تلقاها بالغش والخديعة والاستغلال لبناء الجاه والنفوذ لنفسه ومحبيه.
فإذا تاق إلى الانتفاع منها استشرفت الأعناق وتصوبت لمن ترجو المأمول عندهم. فترقبهم رهبة ورغبة فيما يقدرون عليه من تحقيق المآرب.
فينطلق قلمه وقراره لما يحقق مطامعه وهواه، فيؤدي ذلك به إلى غش وخديعة من استرعاه الله فيهم، فيولي فيهم وبينهم من يحابونه ويمدحون اعوجاجه ويسمون أخطاءه تقدما وإقداماً، ويزينون له سوء عمله. وربما أخفى عن رعيته الناصح وأبعد عنهم الأصلح، لأن في قربه مايمنع نزواته وأطماعه. وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت ، و هو غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة)
وقد يستشري به الأمر إلى أن لا يحيطهم بما يجب من النصح لهم، ورعاية مصالحهم ومصلحة منشأته وأهدافها وغاياتها، وقد قال صلى الله عليه وسلم(ما من عبد يسترعيه الله رعية ، فلم يحطها بنصحه ، إلا لم يجد رائحة الجنة)
وربما أهمل واجب البذل بأقصى ما يمكن من الاجتهاد لهم في تحقيق مصالحهم التي تستقيم بها أمورهم. قال صلى الله عليه وسلم (ما من والٍ يسترعيه اللهُ رعيةً ثم لم يَجْهَدْ لهم وينصحْ لهم إلا لم يدخلْ معهم الجنةَ)
إن هذا يقود إلى تعزيز الجانب التربوي في النفس بتهذيبها وإصلاحها ليكون تصورها لكلمة التوحيد حقيقة فاعلة لا نظرية خالية. فالرزق بيد الله تعالى، والرافع هو الله، والباسط هو الله، والخافض هو الله، والغني المغني هو الله. فكيف يرجو فيمن استرعاه الله غير الله. فتصبح الطاعة في طاعة غير لله وبمعصية الله، فيتقرب إليه بمعصيته، وهو الذي مكن من مكن بفضله، ثم يُطلب الجاه بمخادعة الرعية. والتوجه إلى الضعفاء بخيانة الله ورسوله فيهم. وقد حذر الله تبارك وتعالى من ذلك، فقال اللطيف الخبير (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)
فهذا يستوجب مراعاة المسلك الصحيح في تربية النفس والأبناء على حفظ حقوق الآخرين، خاصة عندما تكون لهم على الغير ولاية.
إن تعظيم هذا الأمر في النفوس يهذبها ويربيها على الخوف من الخيانة، والتلاعب بحقوق الناس(واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)
إن الواجب التربوي كبير جداً تجاه تربية النفس ومن لهم عليهم حق الولاية والرعاية. فليس هناك منهج أعظم في تربية النفوس من كتاب الله تعالى ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللهم ألهمنا الصواب وثبتنا عليه؛ وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها.