إن الله تبارك وتعالى الذي له ملك كل شيء، وله مقاليد السموات والأرض، والكل عبيده، ولو يؤاخذ العبد بخطيئته وزلته لهلك الناس جميعاً، لما يقع منهم؛ مما يوجب غضبه وسخطه سبحانه وتعالى، وبالرغم من ذلك يحلم عليهم، ويغفر للمستغفر ويتوب على التائب، ويُمهل العاصي؛ لعله يؤب إلى ربه، ويرسل رسُله عليهم الصلاة والسلام، ويسخر الدعاة ليذكرونهم بالقرآن الكريم وسنة سيد المرسلين.
وفي هذا النهج الرباني ما يعلمنا كيف نفقه فقه الحب والبغض في تعاملنا مع غيرنا، إذ أن الله لم يعاملهم بغضبه فقط، بل برحمته وحبه، من خلال مغفرته للتائب، وحلمه على العاصي.
بل إن الله تبارك وتعالى يخاطب المذنبين الذين ارتكبوا ما يبغضه سبحانه وتعالى بأحسن العبارات ليردهم إليه رداً جميلاً، لمحبته سبحانه وتعالى للتائبين والمستغفرين، ولم يتعامل معهم بغضبه الذي يوجب سخطه تبارك وتعالى، فيقول لهم (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا)
فلم يقل لهم سبحانه وتعالى: يا أيها العصاة، أو يا أيها المذنبون. بل قال لهم (يا عبادي) وهم قد تلبسوا بالمعصية.
بل إن العبد عندما يرتكب الكبيرة كالزنا ينتفي عنه الإيمان تلك لحظة كما جاء في الحديث (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) ويوجب ذلك غضب الرب تبارك وتعالى، وبالرغم من ذلك يحلم عليه ويتوب على من تاب، وقد يبدل سيئاتهم إلى حسنات، كما قال تعالى ( إلا من تاب وآمن وعمل عملاَ صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما)
فلو تعامل الله تبارك وتعالى مع عبيده بغضبه فقط دون رحمته ومحبته للتائبين لما بقي أحد من البشر؛ لما يعتريهم من التقصير في الطاعات وحدوث المعاصي والزلات، ولكن حب الله تعالى لعباده أعم وأشمل؛ بما يعلمنا كيف نفقه الحب على حقيقته، ونفقه البغض على حقيقته، وأن يوازن العبد بين الحب والبغض في تعامله مع إخوانه المسلمين وفي نطاق الأسرة الجوار ورفقاء العمل والسفر، وفي المهنة والبيع والشراء.
((وللموضوع بقية في الإضاءة القادمة إن شاء الله تعالى))