ثانيا: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم:
فإنه هو القدوة العظمى للمسلمين جميعًا ، وهو المعلم الأول لهذه الأمة ، فحري بالمعلمين أن يقتدوا به ، وينظروا في سيرته وشمائله ، ويتأملوا في طرائق تعليمه ، وكيفية تعامله مع الآخرين ، ويجعلوا ذلك نبراسًا لهم ينهلون منه ، ومشعلاً يستضيئون به ، كما كان ابن عمر رضي الله عنهما يتبع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله ويهتم حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك، اتباعًا لقوله تعالى : )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، فمن أراد الهداية والفلاح فعليـه أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتأسى به .
وهذه الصفة – المتابعة – مكملة لصفة الإخلاص ، إذ لا يتحقق قبول عمل لأحد إلا بتوافرها مع الإخلاص ، قال الله تعالى : )فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا).
وقال السعدي : ” فهذا الذي جمع بين الإخلاص والمتابعة هو الذي ينال ما يرجو ويطلب ، وأما من عدا ذلك فإنه خاسر في دنياه وأخراه ، وقد فاته القرب من مولاه ، ونيل رضاه “.
فمن عمل بلا إخلاص فعمله مردود و ” من عمل بلا اتباع سنة فعمله باطل “.
وليعلم أن اتباع السنة مشروط بثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بما تشتهيه الأنفس،
أو يزينه العقل والهوى ، يقول أبو سليمان الداراني: ” ليس لمن ألهم شيئًا من الخيرات أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر “.
ثالثاً: التقوى .
إن العلم النافع هو الذي يظهر أثره على صاحبه ، وذلك بأن يحول العلم من مبادئ نظرية ، ومعلومات محفوظة أو مكتوبة إلى تطبيقات واقعية ، وسلوكيات ظاهرة عليه ، يقول الحسن البصري – رحمه الله – : ” كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وزهده ولسانه وبصره “، وهذه هي حقيقة التقوى ” إذ أن الحكم بالتقوى على الشخص لا يكون إلا إذا صدر عنه عمل ، فإذا لم يعمل لا يمكن وصفه بذلك “.
ولذلك لما قيل لطلق بن حبيب: ” صف لنا التقوى ، قال : العمل بطاعة الله ، على نور من الله ، رجاء ثواب الله ، وتـرك معاصي الله ، على نور من الله ، مخافة عذاب الله ”
وعرفها بعضهم بشيء من لوازمها وهو حل الكسب الذي يتحصل عليه الإنسان ، وفي ذلك يقول ميمون بن مهران : ” لا يكون الرجل تقيًا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمهومشربه “.
فإذا تبين هذا كان على المعلم أن يتقي ربه تعالى ، ويعمل بعلمه ويحرص قدر استطاعته على فعل الأوامر ، ويبتعد تمامًا عن المعاصي ، ويجعل حياته حياة ” تتحول فيها الكلمة إلى عمل بناء ، أو خلق فاضل ، أو إلى تعديل في السلوك “حتى ينال رضى الله تبارك وتعالى ، وما يتبع ذلك الرضا من توفيق الله للعبد ، وتيسير أموره ، ومغفـرة ذنوبه ، كما قال تعالى : )يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) و الله وعد المتقي بقوله( ومن يتق الله يجعـل لـه مخرجاً)
أما المعلم الذي يتعلم العلم ويستكثر منه ، ولكنه يستقل من العمل فإنه مذموم ، كما ذم الله أهل الكتاب بقوله : )كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، ويكون علمه حجة عليه يوم القيامة ، ففي الحديث : ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه ؟ وعن علمه فيم فعل ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيم أبلاه “فالسؤال عن العلم متعلق بالعمل به ، ومدى أثره على الإنسان وتصرفاته.
كذلك المعلم الذي يبين لتلاميذه فضيلة الصدق ، وما ورد في الحث عليه ، وهو يكذب عليهم في الإجابة عن سؤال ، أو في مدح نفسه بما ليس فيها تزول ثقة طلابه به ، مما ينتج عنه عدم الاستفادة منه بعد ذلك ، ولو كان ما يقدمه لهم صحيحاً ، فالتكامل بين الجانب النظري والعملي ينمي لدى المتعلم القدرات العقلية ، ويربي فيه الإرادة النبيلة، ويساعد على النضج والتكامل في شخصيته.