الاهتمام بالبحث العلمي كانت سمة بارزة لدى علماء المسلمين الأوائل، بل كانوا هم الرّواد في هذا المجال، فقد عرفوا البحث العلمي قبل أن تعرفه الأمم الأخرى، ذلك ” أن القرآن الكريم أنشأ لدى علماء المسلمين العقلية العلمية الجادة التي تنبذ اللهو والخرافة والإسفاف، وتحض على البحث العلمي والتثبت في المرويات والمنقولات، والجري وراء الحقيقة العلمية بعيدا عن الظنون والأهواء والتقليد . كما كان الاهتمام بالبحث العلمي لأهميته في الحياة الإنسانية، لكونه العامل الأساس في الارتقاء بمستوى الإنسان فكرياً وثقافياً ومدنياً، ولم يعد رفاهية أكاديمية تمارسه مجموعة من الباحثين، وإنما أصبح مفتاح التقدم والتطور للأمم، وهو طريق لفتح مجالات الإبداع لدى الأفراد والمجتمعات. ويلعب البحث العلمي دوراً أساسياً في قيام الحضارات، ولا أدل على ذلك من أن الدول المتقدمة التي حققت تقدماً ملموساً في مجال العلم والتكنولوجيا إنما هي تلك الدول التي اعتمدت على البحث العلمي. ولأهمية البحث العلمي نادى المؤتمر الأول للدعوة والدعاة، الجامعات والهيئات والمؤسسات المتخصصة في جميع الأقطار الإسلامية، ” إلى التعاون في مجالات البحوث، والدراسات العلمية، والتقنية المتطورة في كل فروع المعرفة الإنسانية ونواحي الحياة، والارتقاء بها إلى ما يحقق للأمة الإسلامية التقدم العلمي المنشود في هذا المضمار الذي تتسابق فيه الأمم بكل طاقاتها؛ لتسبق غيرها، وإلى ما يمكّن هذه الأمة من بناء قوتها وحضارتها دون اعتماد على غيرها.كما دعى المؤتمر مراكز البحث العلمي، ودور النشر، إلى تشجيع تأليف الكتب، وإعداد البحوث والدراسات؛ لبيان حقيقة الإسلام وشرائعه، ونشرها على أوسع نطاق باللغات المختلفة “. دور الأبحاث العلمية في تحقيق التفاعل الحضاري. تكون الأبحاث العلمية وسيلة من وسائل التفاعل الحضاري؛ لكون كثير من الناس يميلون إلى المطالعة الهادفة للأشياء المكتوبة والتي من بينها الأبحاث العلمية ” فالاستطلاع نوع من الدافعية الذاتية، والحاجة النفسية، ترمي إلى تأمين معلومات حول موضوع معين، وبسبب هذه الدافعية تجد البعض يميل إلى اقتناء الكتب والقصص والصحف والمجلات، وقراءتها والعكوف عليها، والاستمتاع بما تحويه من أحداث وتحليلات وقصص، وهم ينجذبون إلى هذه الأشياء بسبب ما تلبيه هذه الأنشطة: من حاجات الاستطلاع، والمغامرة، والاكتشاف “. وبسبب هذه المطالعة والقراءة لتلك الكتب والأبحاث؛ تتغير الأفكار والمعتقدات عند بعض الناس، نحو: الخالق، والكون، والدين، والعادات، وما ذلك إلاّ بتأثير تلك الأبحاث والكتب لدى فئات من الناس، وهذا يؤكد أن الكتب والأبحاث العلمية تعلب دورا أساسيا في تفاعل الحضارات، وتأثر الأمم بعضهم ببعض. وقد استغل المنصّرون المؤسسات العلمية التي تقدم دراسات عن العالم الإسلامي؛ لصالح التنصير، فجاءت دراساتهم وأبحاثهم مشوِّهة للإسلام، ومشكِكَة لعقيدة المسلمين، واستخدموا لتحقيق ذلك طباعة الكتب، والأبحاث، والمطويات، والنشرات، وتوزيعها على العالم الإسلامي، وكل هذا قائم على استراتيجية إقناع المسلمين بزيف الحضارة الغربية، وإبعادهم عن حضارتهم الإسلامية العريقة. وللأسف فإن كثيرا من دور النشر التي تهتم بالأبحاث والكتابات العلمية والنشرات المطبوعة في بلاد المسلمين، تُصدر كتاباتها مشوبة بتوجيه تغريبي، أو بتوجيه علمي غير غائي ” وإن كثيرا من المسئولين فيها والمستشارين لها من غلاة التغريبيين، وهذا ما يجعلها عبئا على الأمة –ماديا وفكريا- فهي تهدم أكثر مما تبني، ويصدر عنها شر كثير وخير قليل ” وما دام حال هذه المؤسسات بهذه الصورة المأساوية ” فإن الواجب على جميع الغيورين، إنشاء البدائل لهذه المؤسسات التي لا تمثل الأمة بإسلامها، وإنما تمثل أدلجة فكرية ومذهبية ظرفية.. وإن من أوجب الواجبات التركيز في النشر -خلال هذا الظرف الحضاري الذي نعيشه- على البحوث التي تُقدّم الإسلام على أساس مبادئه الكلية، ونظمه العقائدية والمعاملاتية؛ سياسية واقتصادية، واجتماعية، بالإضافة إلى تقديمٍ كليّ لحضارة الإسلام، وتقديمٍ موضوعي لتاريخ المسلمين يبرز صفحاته المشرقة…”.