تمثلت عناية الإسلام بالمنشئات والمرافق العامة في العديد من التوجيهات النبوية الكريمة التي تدعو إلى ظرورة المحافظة عليها في أجمل صورها وأبهاها، وعدم إهمالها أو العبث بها أو تشويه جمالها، فعن معاذ بن جبل ـرضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)، وفي هذا الحديث تحذير شديد من إفساد وتلويث البيئة وبعض المرافق العامة المتمثلة في موارد المياه، التي يردها الناس للإفادة من مياهها، والطرق التي لا يستغني عنها الناس لقضاء حوائجهم ومتطلبات حياتهم، وأماكن الظل التي يرتادها الناس طلباً للراحة والمتعة.
كما أن في الحديث دعوة إلى العناية بهذه المرافق والمنشآت، والمحافظة على سلامتها من التلوث البيئي الذي يؤدي إلى كثير من الأمراض الصحية، التي تنتج عن ذلك. حيث “يتسبب وجود البراز في الماء إلى التلوث بالطفيليات والفيروسات والروائح الكريهة والبكتيريا . وحين يكون البراز بكميات كبيرة كما هي في تصريف مياه المجاري إلى المسطحات المائية كالبحار , والأنهار , والبحيرات , والجداول ؛ فإن ذلك يؤدي إلى استنزاف الأكسجين الذائب في مياه هذه المسطحات , وذلك أثناء عملية التحلل البيولوجي للمواد العضوية الموجودة في مياه المجاري , وهو أمر يؤثر في حياة الأسماك والأحياء المائية الأخرى ”
ويأتي من أبرز مظاهر عناية الإسلام بالمرافق العامة ماجاء في الحث على نظافة وسلامة الطرقات وإماطة الأذى عنها ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)
وما صح عن أبي برزة رضي الله عنه، أنه قال: قلت : يا نبي الله ! علمني شيئا أنتفع به. قال : (اعزل الأذى عن طريق المسلمين) ومعنى اعزل الأذى: أي الحث على إماطة وإزالة كل ما فيه أذا أو مضرة للمسلمين، سواء أكان قذرا أو جيفة أو خطرا، أو شوكا، أو نحوه. ذلك مما قد يتسبب في إيذاء الناس، وإلحاق الضرر بهم ماديا أو معنويا. وما ذلك إلا لأن من حق الإسلام على المسلم أن لا يدخر وسعا في إماطة الأذى عن الطريق ، ليجد السالكون في نظافتها وطهارتها تلبية للفطرة السليمة، وحماية لهذه الفطرة من أن تفسد برؤية الأذى.
ومما يتبع للمرافق والمنشآت الدور والأفنية والساحات والحدائق، وما في حكمها من الأماكن والمرافق والميادين التي يقيم الإنسان بين جنباتها بصورة دائمة أو مؤقتة، والتي دعا الإسلام إلى الاهتمام والعناية بنظافتها والحرص على عدم تعرضها لأي نوع من التلوث، عن طريق المحافظة على نظافتها وسلامتها من صور العبث والتخريب والتشويه والإفساد. ولا سيما أن تراكم الأوساخ في البيوت يعطي الحشرات والجراثيم مجالا رحبا للازدهار والنمو. فضلا عن انبعاث الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف، وتجعل البيوت مكانا لا يطاق للإقامة فيها.