المعانقة :
أما معانقة الأخ المؤمن لأخيه أو صديقه أو قريبه ، فهذا أيضا لا ينبغي على قول الشيخ العلامة الألباني لحديث أنس رضي الله عنه ، المذكور آنفا ، إلا لغائب قدم ، فقد أخرج البخاري في كتابه الأدب المفرد[ج2/539]بتحقيق سمير الزهيري : عن ابن عقيل ، أن جابر بن عبد الله حدثه : أنه بلغه حديثا عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فابتعت بعيرا ، فشددت إليه رحلي شهرا ،حتى قدمت الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس فبعثت إليه أن جابرا بالباب ، فرجع الرسول ، فقال : جابر بن عبد الله ؟ فقلت : نعم ، فخرج فاعتنقني ، قلت :حديث بلغني لم أسمعه ؛ خشيت أن أموت أو تموت ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : << يحشر الله العباد – أو الناس – عراة غرلا بهما.. >> وذكر تمام الحديث .
وهو حديث حسن ذكره البخاري تعليقا : أنظر الصحيحة [ح160].
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: << كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا >>.قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/92 ) : فيمكن أن يقال : إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك ، وعليه يحمل بعض الأحاديث المتقدمة إن صحت والله أعلم .
قلت : لقد ثبت المعانقة من النبي صلى الله عليه وسلم لبعضهم من غير سفر ،فقد أخرج البخاري [ح75]كتاب العلم.( باب قول النبي صلى الله عليه وسلم :<< اللهم علمه الكتاب>> حدثناأبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( خالد ) عن ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) قال ضمني رسول الله وقال:<< اللهم علمه الكتاب >>.
قال الحافظ بن حجر الفتح [1/ 204] زاد المصنف في فضل ابن عباس عن مسدد عن عبد الوارث :<< إلى صدره >> وكان ابن عباس إذ ذاك غلاما مميزا ، فيستفاد منه جواز احتضان الصبي القريب على سبيل الشفقة .
وقال العيني في عمدة القاريء [ج3/47] بيان المعاني : قوله ضمني فيه حذف تقديره ضمني إلى نفسه أو إلى صدره وقد جاء بذلك مصرحا في روايته الأخرى عن مسدد عن عبد الوارث إلى صدره.وقال : بيان استناط الأحكام :
[الحكم الثالث ]: فيه استحباب الضم وهو إجماع للطفل والقادم من سفر ولغيرهما ومكروه عند البغوي والمختار جوازه ومحل ذلك إذا لم يؤد إلى تحريك شهوة هذا مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة أن ذلك يجوز إذا كان عليه قميص .
وقال الإمام أبو منصور الماتريدي المكروه من المعانقة ما كان على وجه الشهوة وأما على وجه البر والكرامة فجائز .
وفي كتاب الاستذان من صحيح البخاري باب : المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت .وذكر فيه : ابْن عَبَّاس ، أَنَّ عَلِىّ بْن أَبِى طَالِب خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِى ( صلى الله عليه وسلم ) فِى وَجَعِهِ الَّذِى تُوُفِّى فِيهِ ، فَقَالَ النَّاسُ : يَا أَبَا حَسَنٍ ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ ، فَقَالَ : أَلا تَرَاهُ ؟ أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ الثَّلاثِ عَبْدُ الْعَصَا ، وَاللَّهِ إِنِّى لأرَى رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم ) سَيُتَوَفَّى فِى وَجَعِهِ ، وَإِنِّى لأعْرِفُ فِى وُجُوهِ بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَوْتَ ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَنَسْأَلَهُ ، فِيمَنْ يَكُونُ الأمْرُ ؟ فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِى غَيْرِنَا ، أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا ، قَالَ عَلِىٌّ : وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ، فَيَمْنَعُنَا ، لا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ أَبَدًا ، وَإِنِّى لا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَبَدًا . قال المهلب : ترجم هذا الباب بباب المعانقة ، ولم يذكرها فى الباب ، وإنما أن يدخل فيه معانقة النبى للحسن حديث ابن لكع الذى ذكره فى كتاب البيوع فى باب ماذكر فى الأسواق ، وقال أبو هريرة : ( خرج رسول الله فى طائفة من النهار لا يكلمنى حتى أتى بسوق بنى قينقاع ، فجلس بفناء بيت فاطمة من النهار لايكلمنى حتى أتى بسوق بنى يشتد حتى عانقه وقبله . . . . ) الحديث .
قال الحافظ بن حجر : [ج 11/59]وقد ورد في المعانقة أيضا حديث أبي ذر أخرجه أحمد وأبو داود من طريق رجل من عنزة لم يسم قال قلت لأبي ذر هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصافحكم إذا لقيتموه قال ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم فلم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت أجود وأجود .ورجاله ثقات إلا هذا الرجل المبهم.
قلت :وأخرجه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح كما قال المنذري [3/270].
وقال عمر بن ذر : كنت إذا ودعت عطاء بن أبي رباح ، التزمني بيده ،وضمني إلى جلده . شرح السنة للبغوي [12/292].
قال البغوي رحمه الله في شرح السنة [ 12/ 290-293]وكره قوم المعانقة ، ورخص فيها قوم ، قال أبو هريرة : جاء الحسن ابن علي ، فالتزمه رسول الله.
3327 – أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن الجراح المروزي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب التاجر ، أنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الحافظ نا محمد بن إسماعيل ، نا إبراهيم بن يحيى المدني ، حدثني أبي يحيى بن محمد ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة عن عائشة قال : قدم زيد بن حارثة المدينة ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بيتي ، فأتاه ، فقرع الباب ، فقام إليه رسول الله عريانا يجر ثوبه ، والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده ، فاعتنقه وقبله.
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث الزهري إلا من هذا الوجه.وسنده ضعيف .
ورُوي عن جعفر بن أبي طالب في قصة رجوعه من أرض الحبشة
قال : فخرجنا حتى أتينا المدينة ، فتلقاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فاعتنقني ، ثم قال : ” ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح ، أم بقدوم جعفر “ووافق ذلك فتح خيبر.
وعن البياضي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه.أخرجه أبو داود [5222] وسنده قابل للتحسين قاله شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لشرح السنة .وذكره الشيخ الألباني في قسم الضعيف .
قال ابن بطال [ج9/48]وقد اختلف الناس فى المعانقة فكرهها مالك وأجازها ابن عبيبه ، حدثنا عبد الوهاب بن زياد بن يونس إجازة ، قال : حدثنا أبى ، قال : حدثنا سعيد بن إسحاق ، قال : حدثنا على بن يونس الليثى المدنى قال : كنت جالسا عند مالك بن أنس إذ جاء سفيان بن عبيينه يستأذن الباب ، فقال مالك : رجل صاحب سنة أدخلوه . فدخل فقال : السلام عليك ياأبا عبد الله ورحمة الله وبركاتة . فقال مالك : وعليك السلام ياأبا محمد ورحمة الله وبركاتة . فصافحة ثم قال : ياأبا محمد ، لولا أنها بدعة لعنقناك . قال سفيان : عانق خير منك ، النبى عليه السلام قال مالك : جعفر ؟ قال : نعم . قال : ذلك حديث خاص ياأبا محمد . قال سفيان : مايعم جعفر يعمنا ، ومايخص جعفر يخصنا ، إذ كنا صالحين . ثم حدثه بقصة قدوم جعفر.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله [ج11 – 59]: قال الذهبي في الميزان هذه الحكاية باطلة وإسنادها مظلم قلت: [أي ابن حجر] والمحفوظ عن بن عيينة بغير هذا الإسناد فأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن الأجلح عن الشعبي أن جعفرا لما قدم تلقاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبل جعفرا بين عينيه وأخرج البغوي في معجم الصحابة من حديث عائشة لما قدم جعفر استقبله رسول الله صلى الله
عليه و سلم فقبل ما بين عينيه وسنده موصول لكن في سنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف.
وروى عبد الرازق ، عن سليمان بن داود قال : رأيت الثورى ومعمر حين التقيا احتضنا وقبل كل واحد منهما صاحبه. وروى سليمان بن داود ، عن عبد الحكم بن منصور ، عن عبد الملك ابن عمير ، عن أبى سلمه بن عبد الرحمن ، عن أبى الهيثم بن التيهان : ( أن النبى عليه السلام لقيه فاعتنقه وقبله ) من حديث قاسم بن أصبغ ، عن محمد بن غالب ، عن سليمان بن داود.وهو ضعيف أيضا .
وقال الشعبي : كان أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصافح بعضهم بعضا ، وإذا جاء أحدهم من سفر ، عانق صاحبه. وقدم سلمان ، فدخل المسجد ، فقام إليه أبو الدرداء ، فالتزمه.
والخلاصة : أن المعانقة مشروعة مأذون فيها عند التوديع ، وعند القدوم من السفر ، وطول العهد بالصاحب ، وشدة الحب في الله .