الحمد لله الذي وحده، والصلاة والسلام على من نبي بعده. أما بعد:
شهد العصر الحديث اهتماما كبيرا بالطفل والطفولة نتيجة التقدم السريع الذي حصل في مختلف الدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية، والذي أثرى مرحلة الطفولة بالأبحاث والدراسات العلمية الجادة، وأحدث تحولا جذريا في الأساليب التربوية القديمة، كما نبه إلى الأهمية البالغة التي تكتسبها العناية بالطفل في ضمان مستقبل الأمم الحضاري.
ويعدّ الاهتمام بالطفولة من أهم المعايير التي يقاس بها تقدم المجتمع وتحضره بين غيره من المجتمعات، وذلك لأن الاهتمام بالطفولة في أي أمة هو اهتمام بمستقبلها، فأطفال اليوم هم شباب الغد وعدّته ورجال المستقبل وقادته.
وقد ركّز الإسلام على أهمية ضمان حقوق الطفل في التربية والتعليم، وهو حق لا يقلّ خطورة ولا أهميّة عن غيره من الحقوق، لأنه من خلاله يتمّ تكوين فكر الطفل، وتعديل سلوكه، وتنمية مهاراته، وإعداده للحياة بكل ما تعنيه من أبعاد جسمية ونفسية واجتماعية وأخلاقية وإيمانية، وقد حمّل الإسلام المجتمع كلّه بدءا من الأسرة إلى المربّين كلهم مسؤولية تحقيق حق التربية والتعليم للأطفال، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وَقُودُها النّاسُ والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شِدَادٌ لا يعصونَ اللهَ ما أمرهم ويفعلون ما يُؤْمَرُون) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ((كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،))
وبناء على هذا كله تحاول هذه الدراسة توضيح مكانة الطفل والطفولة في التربية الإسلامية من خلال بيان الحقوق التربوية التي كفلتها له الشريعة الإسلامية.
أهداف الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق هدف أساس وهو بيان سبق التربية الإسلامية إلى العناية بالطفل والطفولة على الأنظمة الوضعية والاتفاقات الدولية، ويتفرع عن هذا الهدف الأهداف التالية:
1. معرفة حقوق الطفل في التربية العقدية كما وردت في التربية الإسلامية.
2. الكشف عن حقوق الطفل في التربية الجسمية والصحية في التربية الإسلامية.
3. بيان حقوق الطفل في البناء الفكري والعلمي من منظور التربية الإسلامية.
4. توضيح حقوق الطفل في التنشئة الخلقية التي ركزت عليها التربية الإسلامية.
5. التعرف على حقوق الطفل في التربية الاجتماعية من منظور التربية الإسلامية.
6. بيان حقوق الطفل في التربية النفسية من منظور التربية الإسلامية.
أهمية الدراسة:
تكتسب هذه الدراسة أهمية كبيرة لعدة اعتبارات، وفيما يلي إشارات إلى بعضها:
1. كثرة التوجيهات الإسلامية الداعية إلى العناية بالطفل تربوياً ومعرفياً، وذلك من أجل ضمان نموه المتوازن عقلياً ونفسياً واجتماعياً.
2. الاهتمام الدولي والإقليمي ببناء الشخصية السوية للطفل ثقافياً وتربوياً، وحماية حقوقه المادية والمعنوية.
3. يطمع الباحث أن يستفيد من هذه الدراسة قطاعات عريضة تخدم الطفل المسلم تشمل: الآباء ورجال التربية الذين تقع على عاتقهم إعداد الطفل إعدادا كاملا من جميع النواحي، والعلماء والأئمة والدعاة الذين يقومون بالدعوة لحماية ورعاية الطفل، ومقدمي الخدمات الصحية، والهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية العاملة في مجالات الطفولة، وصانعي السياسات وواضعي البرامج الخاصة بالطفولة، والخبراء والمهتمين والباحثين بمجال الطفولة في العالم الإسلامي وخارجه.
4. تعدّ هذه الدراسة خطوة في طريق التأصيل الإسلامي للعلوم التربوية.
منهج الدراسة:
المنهج المناسب لمثل هذه الدراسات هو المنهج الاستنباطي، وهذا المنهج يساعد على استنباط واستخراج الحقوق التربوية للطفل في ضوء مصادر الشريعة الإسلامية، ومن ثم صياغتها على نسق تربوي للاستفادة منها في مجال العملية التربوية.
الدراسات السابقة:
بعد البحث والتقصي تبين للباحث أنه ليست هناك دراسة مباشرة تناولت الحقوق التربوية للطفل في الإسلام, – على حد علم الباحث -, ومع ذلك فهناك:
1. دراسة بعنوان: حقوق الطفل في الإسلام في مرحلة الطفولة المبكرة، بحث مقدم لندوة الطفولة المبكرة – خصائصها – واحتياجاتها برعاية اللجنة الوطنية السعودية للطفولة وزارة التربية والتعليم- الرياض، إعداد: محمود إبراهيم الخطيب، وحسن بركات المنتشري، (1425هـ). وقد هدفت الدراسة إلى إبراز أهم الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل في هذه المرحلة المبكرة من حياته، وقد توصلت الدراسة إلى أن الإسلام سبق الأنظمة الحديثة بعشرات القرون في ضمان حقوق الطفل في مختلف مراحله العمرية، وبناء على ذلك أوصت الدراسة بضرورة وضع ميثاق للطفل مستمد من الشريعة الإسلامية.
2. دراسة بعنوان: حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية والميثاق العالمي لحقوق الطفل “دراسة مقارنة”، إعداد: هناد البليسي، قدمت هذه الدراسة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقه وأصوله، كلية الدراسات العليا الجامعة الأردنية، (آب/ ٢٠٠٥م). وكانت الدراسة هادفة إلي إظهار حقوق الطفل التي أقرتها له الشريعة الإسلامية كما جاءت في الكتاب والسنة، ومقارنة ما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل من حقوق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومن أهم النتائج التي توصلت إليها: حماية الشريعة الإسلامية لأفراد مجتمعاتها بإقرار حقوقهم من المهد إلى اللحد.
التعليق على الدراسات السابقة:
تتفق الدراسة الحالية مع الدراسات السابقة في تناولها لحقوق الطفل في الإسلام، وتختلف معها في اقتصارها على الحقوق التربوية فقط دون الحقوق الأخرى، وتستفيد الدراسة الحالية من الدراسات السابقة في طريقة تناول حقوق الطفل من المنظور الشرعي.