من عوامل إزالة معوقات التآلف الاجتماعي
1. العفو والصفح:
يعتبر العفو والصفح من الأخلاق الرفيعة التي تساعد على إزالة كل ما يؤدي إلى البغضاء, أوما ينافي التآلف بين أفراد المجتمع, فالخلطة التي تحصل بين الناس في أي مجتمع تولد غالبا شيئا من الخلاف بين الناس, لكن المسلم المستجيب لهدي دينه, يعف ويصفح لما يعلم في ذلك من الأجر والثواب العظيم من الله تعالى, قال الله تعالى: (الذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (سورة آل عمران ، آية رقم 134) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن العفو والصفح: (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من أي الحور شاء).
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في هذا الخلق العظيم, فقد صفح عن قريش حينما مكنه الله تعالى منهم, فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء), وأدّى ذلك إلى إسلامهم وتآلفهم فيما بينهم, وهكذا كان مع زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول الذي آذى المسلمين وحالف عليهم, وأشاع السوء على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وآذى النبي صلى الله عليه وسلم أشد الأذى, ومع هذا كله, يمرض هذا المنافق, فيموت فيأتي ولده إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه الصفح عن أبيه, فيصفح رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يطلب منه أن يُكْفَّن في قميصه فمنحه إياه, ثم طلب منه أن يصلي عليه ويستغفر له فيستجيب عليه الصلاة والسلام كما جاء في الحديث, عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه فقال: آذني أصلي عليه. فآذنه فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟ فقال: (أنا بين خيرتين قال: (استغفِر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) . فصلّى عليه فنزلت: (ولا تُصَلّ على أحدٍ منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) .
فوائد العفو وآثاره:
للعفو والصفح فوائد جليلة تعود للفرد والمجتمع, ومنها ما يلي:
أ . رضا الله تعالى على العبد, وهو المقصد الأول, والمطلوب.
ب .كسب محبة الناس لمن يعف ويصفح عن المسلمين.
ج . ثناء الناس وتوقيرهم وإجلالهم لصاحب العفو.
أن العفو سبب لتأليف القلوب وإزالة البغضاء والشحناء بينهم.
ومما ينبغي التنبيه عليه هو أن العفو يكون فيما لا يترتب عليه مفسدة, أو مخالفة لشرع الله تعالى, فإنه حينئذ لا يجوز العفو, وذلك لما قرره العلماء من أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
2. حفظ اللسان:
لقد أمر الله تعالى بطيب الكلام وحسن القول, وقال تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حُسْناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلاّ قليلا منكم وأنتم معرضون) (سورة البقرة آية رقم 83) ، وقال تعالى: (ولا تقْفُ ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبَصَرَ والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (سورة الإسراء، آية رقم 36), كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم أن يصون لسانه, وأن يتحرز في كلامه, فلا ينطق إلا صدقا, ولا يقول إلاّ خيرا , ولا يتكلم إلا فيما يعود إليه وإلى المجتمع بمنفعة. قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).
وكف اللسان من الأمور التي تقوي العلاقات الاجتماعية, وتزيل البغضاء والشحناء بين أفراد المجتمع.
فالكلام نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على الإنسان, وأوجب الله تعالى حفظها والقيام بحقها, وعدم إيذاء الناس بها, حيث إن ذلك مما يعوّق ويزيل الألفة والمودّة والتكاتف بين المسلمين, كما يترتب على إطلاق اللسان وعيد عظيم وذنب جسيم على صاحبه, قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ).
ولقد تأثر المجتمع النبوي بذلك تأثرا عظيما, يُروى أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر رضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه, فقال عمر: مه غفر الله لك. فقال أبو بكر رضي الله عنه: هذا الذي أوردني الموارد, وقال ابن بريدة: رأيت ابن عباس رضي الله عنهما أخذ بلسانه وهو يقول: ويحك قل خيرا تغنم, أو اسكت عن سوء تسلم. وإلا فاعلم أنك ستندم, قال: فقيل له: يا ابن عباس لِمَ تقول هذا؟ قال إنه بلغني أن الإنسان أراه قال ليس على شيء من جسده أشد حنقا أو غيظا يوم القيامة منه على لسانه إلا من قال به خيرا أو أملى به خيرا, وكان ابن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان, وقال الحسن: اللسان أمير البدن فإذا جنى على الأعضاء شيئا جنت وإذا عف عفت.
وهكذا كان الصحابة يمتثلون بتعاليم رسول الهدى والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم, فتلك النماذج تمثل القدوة في عقل اللسان إلاّ عن حق يقوله, أو باطل يدحضه, أو حكمة ينشرها, فالمسلم عف اللسان, طيب الكلام, ولا يسيء إلى أحد, ولا يضر أحدا بلسانه, ولا يسخر من عباد الله, ولا يتكلم بباطل, ويبتعد في حديثه عن كل ما يؤذي أخاه في الدين. والواجب على من علم من أخيه زلة أن يستر عيبه ويناصحه, أو يرفع أمره إلى ولي الأمر إذا اقتضت المصلحة ذلك, أما أن يتخذ من زلّته موضوعا يتحدث عنه في المجالس فإن ذلك من أقبح الخصال، وبهذا يعيش أفراد المجتمع حياة طيبة, متآلفين, متحابين, متعاونين, ممتثلين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).