تظهر الصورة الأخرى للأساس الإبداعي في البحث العلمي بمعرفة أسسه البنائية التي ترتقي بالنتاج البحثي وترفع من مستوى الباحث , وأعني بها أدوات البحث العلمي وكيفية استخدامها , لأن الكثير من الأبحاث ولاسيما التنظيريه يعتريها بعض النقص في تطبيق أدوات البحث العلمي بصورة غيرصحيحة , ومن تلك الأدوات: مرحلة الاستقراء، ومرحلة الجمع المعرفي، وطريقة الاصطفاء، ومرحلة تحليل المحتوى، ومرحلة الاستنتاج.
فطريقة الاستقراء في بعض البحوث تعوق جانب الإبداع البحثي بسبب وقوف الباحث على أول معلومة معرفية تتوافق معه، وهنا مكمن العثرة الأولى في الإبداع، إذ أنه قد يفوته بهذا الإجراء أصوب المعلومات المعرفية، وكذا الرأي المخالف، أو التجربة المضادة في البحوث التجريبية، فيكون بذلك قد أغلق عينيه وفؤاده عن أهم الأسس الأولية في قضية الاستقراء.
ثم تأتي المرحلة الأخرى من مراحل التكوين المعرفي في البحث العلمي، وهي طريقة الجمع المعرفي. فقد يتوقف الباحث في عملية الجمع على ما يعرفه سابقاً فقط ،قبل الشروع في البحث، وهذه من عوائق الإبداع البحثي، إذ لا يتحقق الإبداع البحثي دون التنقيب العميق وسبر غور المسائل في مظان المعرفة التي يبحث فيها. وكذا المتعلقات بها من الفنون الملاصقة للمعرفة التي يبحث فيها. وتجاهل هذا الأمر يقصر بالباحث عن درجات سلم التفوق العلمي، وبالتالي يهتـز كيان إنتاجه البحثي، ولن يكون أكثر من كونه كحاطب ليل.
ثم تأتي مرحلة الاصطفاء المعرفي : وهي تلك المرحلة التي يتأمل فيها الباحث جميع ما قد جمع واستقرأ من معارف وأدلة وبراهين وقواعد ، وغير ذلك من الجمع المعرفي، ليختار بعد الفحص الأصلح والأصوب والأقوى بحسب عوامل وأسس الاصطفاء. فتاريخ المعلومة وتاريخ العالم وقوته العلمية وشهرته المعرفية، وصواب المعلومة ورجحانها، فكل هذه من عوامل وأسس الاصطفاء المعرفي.
فإذا لم يدركها الباحث في ميدان بحثه نحى بها منحى يُبعده عن الإبداع الاصطفائي للمعرفة، وبالتالي يحكم على نتائج مرحلة التحليل ومرحلة الاستنتاج بحكم يمنعه من الإبداع المعرفي في البحث العلمي.
وللموضوع بقية في الجزء (3) ان شاء الله تعالى