المشقة لغة: مأخوذ من شَقّ يشق شقاً تقول: شق على الأمر، إذا ثقل عليك. والشِق (بالكسر)، الاسم منه. وكسر الشين وفتحها في (شق) متقاربان، وهما بمعنى المشقة. وبينهما فرق: وهي أن المفتوح مصدر شق الأمر عليه شقا، وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع. وأما الشق فالنصف، كأن تذهب نصف قوته لما يناله من الجهد
والمشقة: الجهد والعناء والشدة والجهد. ومنه قوله تعالى: (إلا بِشِقّ الأنفس) أي: بكلفة ومشقة.
والمشقة اصطلاحا: لحوق ضيق وحرج غير معتاد بالمكلف في امتثاله للتكاليف الشرعية.
تجلب: تسوق، مأخوذ من الجلب، وهو: سوق الشيء والإتيان به من موضع إلى آخر.
والتيسير : من اليسر، ضد العسر. وهو: السهل واللين والانقياد.
واصطلاحا: حصول الشيء عفوا بلا كلفة، أو هو: عمل ما لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم.
المعنى العام للقاعدة
كل تكليف أفضى بيقين، أو بظن غالب إلى حرج وضيق غير معتاد، استوجب شرعا تخفيفا مناسبا لذلك المقام.
أدلة القاعدة.
فقد وردت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة في تقرير هذه القاعدة بأساليب متنوعة ومتعددة. منها ما جاء على سبيل إرادة اليسر والتخفيف، ومنها ما أتى على سبيل نفي الحرج، والعنت، والإثم، والمؤاخذة، ومنها ما ورد في النهي عن الغلو، وغير ذلك من الأساليب. ثم إن التيسير الواقع في هذه الأدلة منه ما هو عام في يسر الشريعة كلها: كالتيسير الملازم لأصل التشريع، ومنها ما هو خاص في فصول الشريعة: كالتيسير المصاحب للمشاق العارضة. وإليك بعضا منها:
من الكتاب:
– قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدّين من حرج) أي: ما كلفكم مالا تطيقون، وما ألزمكم بشيء شق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا؛ ففي الآية الكريمة تقرير من الله جل شأنه في يسر هذا الدين وسماحته، حيث نفى الحرج من الدين برمته، ورفع المشاق عن أتباعه بجملته، فلا تكليف بالمحال، ولا ما لا يمكن الامتثال به، بل حصر التكليف كله في المطاق.
– قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فمن كمال رأفته تعالى أنه نفى الحرج أولا ضمنا بقوله : (يريد الله بكم اليسر) ثم نفاه صريحا بقوله: (ولا يريد بكم العسر) والظاهر أن الألف واللام في اليسر والعسر تفيد العموم.
ومن السنة:
– قوله صلى الله عليه وسلم «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه».
– حديث عائشة رضي الله عنها: «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما» .
وجه الدلالة: فهذه الأدلة وغيرها تدل دلالة واضحة في سماحة الإسلام ويسره, وأن الله لا يكلف عباده المؤمنين من الأقوال والأفعال إلا ما يطيقون رفعا للحرج, ودفعا للمشقة رأفة ورحمة بعباده.
أنواع المشاق وضابطها
إن التكاليف الشرعية لا تخلوا من مشاق، بل ما من عمل دنيوي أو أخروي إلا وفيه كلفة. وهل سمّي التكليف تكليفا إلا لما فيه من مشقة وكلفة؟. ولهذا “ثبت بالاستقراء أن كل تكليف فيه مشقة مهما قلَّت، وهذا يفيد أصلاً كلياً قطعياً بأن الشارع يكلف بما فيه مشقة”، ثم إن “مصالح الدنيا و الآخرة منوطةٌ بالتعب ، و لا راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة”. وهذه المشاق في الجملة تنحصر في ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: مشقة ملغاة ، وهي التي لا تنفك عن التكاليف الشرعية ابتداء، بل تكون ملازمة لها. فهذه المشاق لا أثر لها في إسقاط التكليف ولا في تخفيفه، إذ هي مرادة للشارع في أصل التشريع، ومقصودة له من وضع التكليف. وهي داخلة في الجملة في نطاق القدرة البشرية ووسعهم. بل يمتنع، ويتعذر القيام بالواجبات، وإقامة الحدود، وقتال الكفار دونها عقلا وشرعا. واعتبراها لا محالة يؤدي إلى تفويت مصالح العباد الدنيوية والأخروية, ولهذا فإن “الحرج اللازم للفعل لا يسقط كالتعرض إلى القتل في الجهاد لأنه قرر معه”.
الصنف الثاني: مشقة منفصلة عن التكاليف الشرعية؛ كالمشاق اللاحقة بالمكلف في قيامه بالتكاليف الشرعية في حال الكبر أو المرض أو السفر أو غيرها، وهي على ثلاثة أقسام:
– فما كان منها فادحا عظيما، اقتضى التخفيف والترخص باتفاق أهل العلم: كمشقة الخوف على الأنفس أو الأطراف أو على منافعهما؛ “لأن حفظ المُهج والأطراف لإقامة مصالح الدارين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات، ثم تفوت أمثالها”.
– وما كان من المشاق يسيرا، كالوجع الخفيف في الرأس أو الضرس لم يقتضي التخفيف بإجماع أهل العلم؛ “لأن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع مثل هذه المفسدة التي لا أثر لها”.
– أما ما كان من المشاق بين الفادحة والخفيفة، فمرده إلى المكلف في أرجح أقوال أهل العلم؛ لاختلاف طبائع الناس وأحوالهم، وأمكنتهم، وأزمنتهم؛ لأنّ “كثير من الناس يقوى في مرضه على ما لا يقوى عليه الآخر فتكون الرخصة مشروعة بالنسبة إلى أحد الرجلين دون الآخر، وهذا لا مرية فيه”, “فربّ رجل ضَري على قطع المهامه حتى صار له ذلك عادةً لا يحرج بها ولا يتألم بسببها، يقوى على عباداته، وعلى أدائها على كمالها وفي أوقاتها وربَّ رجل بخلاف ذلك”.
علاقة المشقة بالتيسير
فمما لا شك فيه ولا ارتياب أن المشقة مناط الترخيص وعلة التيسير. فهي ملازمة للتيسير كملازمة المسبَب للسبب في العقليات. فكلما طرأت مشقة اقتضت التيسير، واستوجبت التخفيف، وأثرت في حال المكلف كتأثير السبب على المسبَب، لما بين الأمرين من اتصال وتلاءم.
شروط العمل بقاعدة المشقة.
فرفع الحرج والعنت عن المكلفين من أظهر سمات الشريعة الإسلامية السمحة، ومن أصولها العظام، ولهذا فإن المشاق الطارئة على التكليف تصير سببا في حصول التيسير ورفع الضيق والعنت عن المكلف. ومع ذلك، فليست كل مشقة داعية للترخص، إذ “لو جاز لكل مشغول و كل مشقوق عليه الترخيص ضاع الواجب و اضمحل بالكلية”، بل ثمة شروط للمشاق المقتضية للتخفيف أجملها فيما يلي:
1) أن تكون المشقة واقعة بظن غالب أو يقين.
2) أن تكون خارجة عن حد الاعتدال.
3) أن يكون لها شاهد من جنسها في أحكام الشارع.
4) أن يكون تقريرها بحسب الشَّرع لا بحسب الأهواء.
5) أ لا تصادم نصا شرعيا أو إجماعا، وإلا روعي دونها.
6) أن لا تؤدي إلى الإخلال بأصل كلي.
ألا تكون ملازمة لأصل التكاليف الشرعية