بعد الفراغ من قواعد مهمة تضبط دراسة أسماء الله الحسنى يمكن الشروع في قواعد تضبط ما دلت عليه تلك الأسماء الحسنى من صفات لله عزّ وجلّ؛ إذ أن كل اسم متضمن لصفة من الصفات – كما سبق – وذلك لغرض التأصيل التربوي للدلالات المنتقاة من تلك الأسماء، واشتمل هذا المبحث على أهم القواعد التي تدعو الحاجة إليها في ثنايا البحث؛ مما ستقوم عليه الدراسة بإذن الله.
القاعدة الأولى: صفات الله تعالى صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
وقد دل على هذه القاعدة جميع الأدلة المنطقية من السمع والعقل والفطرة، مبينة أن الحياة والقدرة والعلم والرحمة والعظمة والسمع والعزة والحكمة والبصر والعلو وغيرها من صفات الكمال أنها ثابتة لله تعالى بأبهى وصف وأكمل معنى.
القاعدة الثانية: صفات الله توقيفية، لا مجال للعقل فيها.
وهذه القاعدة نظيرة لأختها التي في مبحث قواعد الأسماء الحسنى وهي أيضا مندرجة تحت مبحث قواعد الصفات العليا، وهي مهمة في ضبط مسائل الاعتقاد في باب الصفات، فالصفات لا تثبت لله إلا عن طريق الكتاب والسنة فقط ولا أحد له الحق في وصف الله بصفة من الصفات، ولا سبيل للعقل إلى معرفتها إلا من جهة إخبار الوحي بها.
القاعدة الثالثة: صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية.
إن كل ما أضافه الله إلى نفسه في الكتاب والسنة لا يخرج من صفة أثبتها أو صفة نفاها عن نفسه.
أولاً: الصفات الثبوتية:
هي ما أثبته الله عزّ وجلّ لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه كالحياة والعلم والقدرة والنزول إلى السماء الدنيا والاستواء على العرش والوجه واليدين ونحو ذلك.
وثبوت الكمال المطلق لله تعالى مسألة فطرية يقرها جميع الخلق فهي رديفة للإقرار بالخالق من الأصل، وهذه الصفات الثبوتية تعتبر صفات مدح وكمال لله تعالى، فكلما كثرت وتنوعت دلالاتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر. ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها أكثر بكثير من الصفات السلبية.
الصفات الثبوتية قسمان:
1/ الصفات الذاتية 2/ الصفات الفعلية.
الصفات الذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها كالعلم والحياة والقدرة والسمع والبصر وغيرها، ومنها الصفات الخبرية: كالوجه واليدين والعينين والقدم والرجل وغيرها.
الصفات الفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا وغيرها.
ثانياً: الصفات السلبية:
هي ما نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه سبحانه، كالموت والنوم والجهل والنسيان والعجز والتعب، فيجب نفيها عن الله تعالى.
أمثلة للصفات السلبية: كقوله تعالى: (وتوكل على الحيّ الذي لا يموت) وقوله تعالى: (وما كان الله ليعجزه من شيءٍ في السماوات ولا في الأرض) والصفات السلبية قليلة في القرآن والسنة.
القاعدة الرابعة: إثبات الصفات يستلزم البعد عن التمثيل والتكييف.
التمثيل والتكييف هما محذوران خطيران في باب الصفات ينبغي البعد عنهما في دراسة صفات الله تعالى، إن عقول بني البشر قاصرة بطبعها عن إدراك الأمور الغيبية التي لا علم لها بها، ولهذا أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لتكملة هذا النقص؛ فمن آمن بذلك فقد نجا وفلح، ومن كذب فقد خسر، والمؤمن الحق حينما يسمع بصفة من صفات الله تعالى قد ثبتت بالطريق الصحيح عليه أن يتسم ويتخلق بأدبين تربويين:
الأول: ألا يرد ويرفض هذه الصفة بحجة أنها غير مفهومة لديه؛ لأن عقله لا يتصورها، بل عليه التسليم والإذعان والخضوع وقبول ما دلت عليه من معاني في ذات الله تعالى، وذلك القبول يكون من منطلق الإيمان العميق بصفات الله تعالى.
الثاني: ألا يلجأ الفرد إلى تزييف المعاني المتضمنة لها تلك الصفات، بأن يقوم بحمل اللفظ عن معناه المراد دون أي قرينة تصرفه عن ذلك، وهو ما يسمى عند أرباب العقائد بالتأويل؛ بحجة أن هذا الوصف لا يليق بالله سبحانه، ولا يقوم بحمل اللفظ على معنى مشابه لصفات المخلوقين؛ بحجة أنه لا يفهم من اللفظ إلا معناه الظاهر، بل يجب على المؤمن الحق أن يسلك الطريق الوسط في إثبات الصفات لله تعالى، فمنهج أهل السنة والجماعة في الإثبات والنفي منهجاً يتسم بالوسطية.