الحمد لله العزيز الغفار ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، أحمده سبحانه كما يحب ويرضى واستغفره وأتوب إليه فقد وعد على ذلك الحسنى ، واسأله الزيادة والهدى إنه سميع مجيب ، وأصلي وأسلم على سيد الخلق ، ومن أتانا مرسلا بالحق، من كان يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة وعلى آله وصحبه الأخيار، الحائزين مراتب الفخار ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى دار القرار.
أما بعد :
إخواني وأحبائي ، كم هي رحمة الله واسعة ، وكم هو حلمه سبحانه، وعفوه ، على عباده المذنبين ، فكم يعصوه ، وكم يبارزوه ، وكم يحاربوا دينه ورسله وأولياءه ، وكم يفرط العبد على نفسه بالذنوب، فيظلم ربه بالشرك والكفر والسب ، وكذلك يظلم نفسه بركوب الموبقات والمهالك من السيئات ، وإخوانه بشتى أنواع الاعتداءات ، وكم … وكم .. والله العفو الكريم يقبل التوبة ويغفر الذنب ويكفر السيئات، ويفرح بعبده الذي تاب وأناب مهما كانت ذنوبه واقرؤوا معي إن شئتم قوله تعالى :{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(53).
وقوله تعالى في الحديث القدسي : (( ..مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً ))
أخي القارئ ، أخي يا من أسرف على نفسه بالذنوب ، وكاد أن يقنط من رحمة الله ، أخي يا من قيدتك ذنوبك وكبلتك ولم تستطع أن تتخلص منها، أخي يا من غلبتك نفسك على الشهوات ، وجرتك إلى المهالك والموبقات ، أخي يا من تريد أن تتوب وترجع إلى ربك ولكنك أسير ذنوبك مقيد بالشهوات والشبهات لا تستطيع أن تتخلص وتحرر نفسك أرجو أن تفتح قلبك وسمعك جيدا لهذا العلاج ، وهذا السلاح الذي يمكنك أن تكسر به تلك القيود ، وتقتحم باب التوبة الواسع ، لتجد ربك سبحانه فرحا بك أشد الفرح .
أولا : اعلم – رحمني الله وإياك – أنه ليس العيب أن تذنب وتعصي ، والعيب كل العيب أن تذكر فلا تتذكر ، وأن تنصح فلا تنتصح ، أما التخلص من المعاصي بحيث تصبح معصوما فهذا ليس لأحد من الناس مهما كان ، فكل بني آدم خطاء وخير الخاطئين التوابون والعصمة للأنبياء فقط .
ثانيا : اعلم – غفر الله لي ولك – أنه على العبد إذا أذنب أن يتوب وأن يرجع ، حتى لو حصل وأن تكررت منه الذنوب ، وتنوعت المعاصي فباب التوبة مفتوح ولا يغلق دون العبد إلا عند بلوغ الروح الحلقوم ، أو ظهور الشمس من مغربها أو ظهور الدابة ، فلا يحول أحد دون باب التوبة ، فمن دخله فرح فرحا شديدا حين يستشعر أن ربه سبحانه يفرح به كذلك.
ثالثا : ما دام العبد يعلم أن له ربا يغفر الذنوب ويتوب إليه ويفرح به ، فلم يتأخر ، ويقدم رجلا ويؤخر أخرى ، أقبل ولا تخف ولا تتردد فربك أخبر أنه يقبل التوبة ويغفر الذنوب جميعا ، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر له ما استغفره العبد ، ولا يتخلى عن مستغفرٍ يتعرض إلى نفحات ربه ؛ وخاصة في أوقات الإجابة والثلث الأخير من الليل حيث ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر فأغفر له …
رابعا : الإقرار بالذنب والاعتراف به والندم على فعله ، فإن الذي يذنب ويقر بذنوبه ويرجع ويتوب حتى لو تكرر منه نفس الذنب فهو خيرٌ عند الله ممن يزعم أنه لا يذنب أو أن ذنوبه صغيرة لا تستدعي التوبة ، أو أنه لا يفعل شيئا من المعاصي كما يقوله كثير ممن إذا أردت أن تنصحه أو تدعو له بالهداية فتقول له : الله يهديك .. وسامحك الله ، فيقابلك بقوله وماذا فعلت أنا لم أفعل شيئا وربما هو غارق إلى أذنيه بالتقصير والتفريط ؟؟
خامسا : مما يساعدك على ترك الذنوب والتقليل منها : أنك تأخذ ولاعة نار معك فإذا هممت بالمعصية والذنب أشعلها وضع إصبعك أو اثنين عليها وجرب نار الدنيا التي تبلغ أعلى درجاتها حوالي 4000 درجة مئوية ، فجرب ولو مرة واحدة لدقائق فقط ، بل لثوانٍ وتفكر في نار الآخرة التي هي أكبر منها بسبعين مرة ، تعترف ماذا يعني الإصرار على المعاصي وتعرف ماذا ينتظرنا مقابل هذه المعاصي التي نقترفها فحرارة الشهوة التي نجدها جزاءها حرارة النار فقارن بين الحرارتين وستجد الفارق .
سادسا : تفكر أن خطوة واحدة للمعصية ربما كانت آخر خطواتك من الدنيا فيختم لك بسوء الخاتمة التي تدخلك تلك النار ، ولا يعلم أحد مدى بقائك فيها ، ولا يخلصك منها أحد بسبب شهوةٍ كانت منك في نصف ساعة أو ساعة على أكثر تقدير تعقبها عقوبة سنين وأحقاب لا يعلمها إلا الله . احذر ، احذر فقد أعذر من أنذر {{ وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لذا الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع .. }.
سابعا : إذا أحببت أن تعصي الله ، فافعل المعصية أمام أبيك وأمك ، فإن كنت لا تستطيع وأنك تدعي أنك تستحي منهما أو من أولادك وإخوانك ؛ فكيف استطعت أن تفعلها أمام من هو أقدر عليك ، وأعلم بك منهم .
تاسعا : إذا أردت أن تعصيه ، فاذهب حيث لا يراك ، واستخفي منه إذا أمكنك ذلك فإن كنت لا تستطيع فاعلم أن الله يراك ويراقبك فكيف تعصيه وهو يراك وينظر إليك .أجعلته أهون الناظرين إليك ؟؟
عاشرا : إذا أردت أن تعصيه فلا تأكل من رزقه ، وأطلب رزق غيره ، فإذا كنت لا تستطيع فكيف تأكل من رزقه وتعصيه . أهذا هو شكر النعمة والإحسان إلى من أحسن إليك ورد الجميل الذي أنت فيه؟؟