لنبي الأمة صلى الله عليه وسلم تطبيقات عملية غاية في الروعة، في العناية بصلة الأرحام، وهذا ليس بمستغرب، فهو أكمل الناس وفاءا وأتمهم خلقا, حتى مدحه كفار قريش وأثنوا عليه ووصفوه بالصادق والأمين قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، ووصفته خديجة رضي الله عنها بقولها: (فوالله لا يخزيك الله أبدا, فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).
ومن عنايته صلى الله عليه وسلم وتطبيقه العملي لصلة الأرحام، قيامه بحق من لهم أعظم الحقوق، وبواجب من أعلى الواجبات, ألا وهو زيارة أمه التي ماتت عنه وهو ابن ست سنين. قال أبو هريرة رضي الله عنه: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: (استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي, فزوروا القبور فإنها تذكر الموت).
ومن مواقف الصحابة الدالة على حرصهم لصلة أرحامهم، موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع مسطح بن أثاثة رضي الله عنه حينما خاض في حادثة الإفك، كما جاء في الصحيح: قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله:(ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى ﴾. قال أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي, فرجع إلى مسطح النفقة التي ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
ومن المواقف الدالة على عناية الصحابة بأرحامهم موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي طلحة حينما أراد أن يتصدق ببستانه (بيرحاء) لله تعالى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أرى أن تجعلها في الأقربين). قال أبو طلحة أفعل ذلك يا رسول الله, فقسمها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه.
وفي هذا الإرشاد النبوي تنبيه على أهمية صلة القرابة، وفضل الإحسان إليهم, وأنهم أولى بالإحسان والصلة من غيرهم من الناس.
وتلك الشواهد توضّح الحياة الاجتماعية في العهد النبوي الكريم التي تألقت فيه صلة الأرحام والاستجابة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقديم الأنموذج المبارك للأمة حتى تقتدى وتتأسى بتلك الحياة الاجتماعية الرائدة.
اسم الكاتب: د. علي أبو بكر أمادو