يعتبر وضوحُ الأهدافِ من أولويات العملِ التربوي ، إذ في ظِلِّ وضوحِها تتحددُ المعالـمُ المختلفةُ للعمليةِ التربوية، وبناءً عليها يتم اختيار الوسائل والأساليب المناسبة للقيام بالعمل المطلوب ، ومن ثم تتنظَّم العملية النقدية وتنضبط ، بحيث تؤتي ثمارها بأقل جهد ، وأقصر وقت ، وأفضل عطاء، وعمليةُ النقد التربوي تنطلقُ في أهدافِها من الهدفِ العامِ للتربيةِ الإسلامية ، وهو : تكوينُ وتنشئةُ الإنسانِ العابدِ الصالحِ من جميع جوانبه ، بحيث يعرفُ ربَّه ، ويَدِينُ له بالطاعةِ والعبادة ، ويعرفُ نَفْسَه ، ويَقْدُرُها حقَّ قَدْرِها ، في حدودِ العبوديةِ للهِ وَحْدَه ، ويعرفُ رسالتَه كمستخلَفٍ في الأرض ، يَعْمُرُ الحياةَ فيها في ظِلّ حُكْمِ اللهِ وشريعتِه وهداه ، ويجتهدُ في الوصولِ إلى الكمالِ الإنساني، وباختصارٍ هدفُ التربيةِ الإسلاميةِ هو : إرضاءُ الرحمنِ وإسعادُ الإنسان ،ويمكن ايضاح ذلك من خلال أهداف النقد التربوي التي منها: أَداءُ المسئوليةِ ، وإبراءُ الذمةِ: كما قال الله تعالى: (وإذْ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لَتُبَيِنُنَه للناس ولا تكتمونه) ( آل عمران : ١٨٧ ) ، قال ابن كثير رحمه الله : ” فعلى العلماءِ أن يبذُلوا ما بأيديهم من العلمِ النافعِ الدالِّ على العملِ الصالح ، ولا يكتموا منه شيئاً ، فقد ورد في الحديثِ المروي من طرقٍ متعددةٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” من سُئِل عن علمٍ فكتمه أُلجم يومَ القيامةِ بلجامٍ من نار ” .
وقال السعدي رحمه الله : ” الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد ، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب ، وعلمه العمل ، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله ، ولا يكتمهم ذلك ويبخل عليهم به ، خصوصاً إذا سألوه أو وقع ما يوجب ذلك ، فإن كل مَن عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه ويوضح الحق من الباطل “.
وقال تعالى على لسان الذين حَذَّروا المعتدين من بني إسرائيل في السبت لما قيل لهم : (وإذْ قالت أمة منهم لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون) ( الأعراف : ١٦٤ ) ، وذلك لأن المسئولية الجماعية تعد امتداداً للمسئولية الفردية ، فحينما نُسأل عن أعمال غيرنا فإنما نُسأل في الحقيقة عن انعكاسات مواقفنا الإيجابية أو السلبية إزاء تصرفاتهم .
يقول أبو بكر بن العربي رحمه الله عند تفسيره لقول الله تعالى: (ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخْرَى)( الأنعام : ١٦٤ ) : ” هذا حُكْمٌ من الله تعالى نافذٌ في الدنيا والآخرة ، وهو ألا يؤاخذ أحداً بِجُرْم أحد ، بَيْدَ أنه يتعلق ببعض الناس من بعضٍ أحكامٌ في مصالح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى ، وحماية النفس والأهل عن العذاب، والأصل في ذلك كله أن المرء كما يفترض عليه أن يصلح نفسه باكتساب الخير ، فواجبٌ عليه أن يصلح غيره بالأمر به ، والدعاء إليه ، والحمل عليه ، وهذه فائدة الصحبة ، وثمرة المعاشرة ، وبركة المخالطة ، وحسن المجاورة ، فإنْ أحسن في ذلك كله كان معافىً في الدنيا والآخرة ، وإنْ قصَّر في ذلك كله كان معاقَباً في الدنيا والآخرة ، فعليه أولاً : إصلاح أهله وولده ، ثم إصلاح خليطه وجاره ، ثم سائر الناس بعده بما بيناه مِنْ أَمْرِهم ودعائهم وحَمْلِهم ، فإنْ فَعلوا ، وإلا استعان بالخليفة لله في الأرض عليهم ، فهو يحملهم على ذلك قسراً ، ومتى أغفل الخَلْقُ هذا فَسَدَتْ المصالح ، وتشتت الأمر ، واتسع الخرق ، وفات الترقيع ، وانتشر التدمير “، وهذا يبين عموم مسئولية النقد التربوي على كافة أفراد المجتمع ، فلا تبرأ ذمتهم إلا بأدائها ، كلٌ على قدر وسعه وطاقته .
وجاء من حديثِ تميم بن أوسٍ الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النصيحة ؛ قلنا : لمن ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم )، والنصح لا يخلوا من العملية النقدية ، من بيان الخطأ ، وحقيقة الصواب ، فإذا نَصَحَ الإنسانُ الآخرين ، وانتقدهم بالضوابطِ الشرعية المرعيةِ فقد أدى ما عليه ، وخَلَتْ ذِمَّتُه من المسئوليةِ أمامَ اللهِ تعالى ، بخلاف ما إذا فرَّطَ وأَهْمَلَ هذا الأمر فإنه يكون تحت طائلة المسئولية ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما من قوم يُعمَلُ فيهم بالمعاصي ، يقدرون على أن يغيِّروا ثم لا يغيِّروا ، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب “.