تخترق الأحوال والجهود البشرية، ما يعكر صفوها، بانقباض ما تَرُومه وترجوه، أو تحطم ما اجتمع لها من مأمول، أو نقص في ما تأملُه وترجوه، أو بفاجعة في عزيز ومحبوب.
وكل أحد من الناس عنده قليل أو كثير من تلك المنغصات، تتردد عليه تارة، وتغيب عنه تارة أخرى. كما قال أبوالبقاء الرندي.
هي الدنيا كما شاهدتها دول ،،،،،، من سره زمنٌ ساءته أزمان
فتكتنفه حسرةٌ ولوعةٌ على ماض تولى، أو هَمٌّ ونصبٌ على قادم متوقع مأمول. فتتنكد بعض ساعاته أو أيامه ولياليه، وربما طوى ظل ذلك على من يعاشره ويخاويه.
وفي نهايات بعض تِطْوَاف الأيام وتبدد شيء من تلك الأحزان، يكتشف أنه ما كان ينبغي عليه أن يقضي شيئا من وقته في تلك الحسرات، لاكتشافه أنه لم يقدرها بموازين تقدير الخلاق، الكريم الرحمن. فكيف لو عرف توجيهها في بيان القرآن لأصبح حاله أكثر طمأنينة في جميع الأيام.
فالقرآن الكريم العظيم يتحفنا بكرم الكريم المنان على خلقه في عظيم تقديره وتعليمه لهم ما يُسْعِدُهم، وبه يَسعدون؛ إذا فهموا مراد الحكيم العلام، وحكمته البالغة في كل الأحوال، وآمنوا بها؛ كما أخبر العليم القهار.
فهذه آية في كتاب الله العزيز الغفار، إن تأملها العبد أيقن يقيناً يجلب له السعادة في كل الأحوال، وتقلبات الظروف والأزمان. قال تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها. إن ذلك على الله يسير)
فَعِلْمُ الله سابق بما كان وبما هو كائن وبما سيكون. وما لم يكن لو كان كيف سيكون. وكل مصيبة في الكون يعلمها مسبقاً، وقد تسجلت في كتاب الله تعالى قبل أن تُخلق الخلقية، وقبل وقوعها. فما هو مكتوب سيأتي للمخلوق بإذن الله الكريم الوهاب، وما لم يكن له لن يأتيه مهما تسبب من قوى الأسباب.
وإنما يسعى المرء في الحياة آخذاً بالأسباب متوكلاً على الله الكبير المتعال، فإن تحقق بها المراد، فهو ما كان مقدراً، وإن لم يحصل فهو ما لم يقدر. فإذاً. لما الانزعاج؟
لم القلق ؟ لم عتاب الأسباب؟
فإذا علم المخلوق هذا العلم من الكريم المنان؛ فاليعرف الحكمة من بيان الله تعالى لهذا المراد؛ وتلك الأحداث، حيث يقول تبارك وتعالى (لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يُحبُ كل مختال فخور) قال ابن كثير في معناها: أي أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها، وتقدير الكائنات قبل وجودها، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم. وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم. فلا تأسوا على ما فاتكم، لأنه لو قدر شيئ لحدث وكان.
(ولا تفرحوا بما آتاكم) أي لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم، فإن ذلك ليس بسعيكم؛ ولا بكدكم، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم. فلا تتخذوا نِعم الله أشراً وبطراً؛ تفخرون بها على الناس. ولهذا قال الله تعالى (والله لا يحب كل مختال فخور) أي مختال في نفسه، متكبر فخور على غيره. وقال عكرمة. ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن. ولكن اجعلوا الفرح شكراً، والحزن صبراً.
وبهذا فإن هذا العلم من الله تعالى لخلقه يجسد في قلوبهم طمأنينة نفسية بكل الأحداث. وهنا وقفات تربويات:
ــ أن يعلم الإنسان أن قدر الله ماض ومتحقق.
ــ أن الله عَلِمَ من كل عبد ما سيحصل منه قبل أن يُخلق.
ــ أن الواجب العمل بطاعته، مع الدعاء والرجاء. والبحث عن الأسباب والأخذ بها في كل الأحوال.
ــ فإن تحقق المراد وجب الشكر. وإن لم يتحقق يتأمل في الأسباب، إن كان هو سبب فيها استغفر وأناب، وعالج وأخذ بصحيح الأسباب، وإن كانت من غيره، فقد تكون بذنب قد علمه الله تعالى قبل أن يخلقه الخلاق، فيستغفر ويعاود طلب المراد.
ــ أن يسأل الكبير المتعال تحقيق الآمال.
ـــ أن لا يحزن على ما فات بل يكون درساً لما هو آت.
ــ أن لا يبطر بما تحقق من مراد فإنما هو بفضل الكريم الرحمن.
أسأل الله تعالى أن يوفقني ويرزقني والمسلمين طمأنينة النفس في كل الأحوال، وأن يرزقنا سعادة الدارين، وأن يتقبل أعمالنا ويجعلها خالصة له تبارك وتعالى.