للقلب في السنة النبوية مكانة عظيمة، حيث تجعل السنة من القلب الملك المطاع في البدن، الذي بصلاحه واستقامته؛ يصلح حال رعيته؛ التي هي الجوارح، ويستقيم أمرها، فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
وجاءت السنة بإطلاق الأوصاف الجميلة على القلب، وأنه أحق أن يسمى بذلك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « يَقُولُونَ الْكَرْمُ إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ»، وفي رواية « لاَ تَقُولُوا كَرْمٌ. فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ».
وتبين السنة ما للقلب من مكانة عظيمة، ومنزلة كبيرة، حتى كان هو محل نظر الله سبحانه وتعالى، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ». وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ.
وصلاح القلب، واستقامته، وعمارته بالإيمان، والتقوى، ونقاءه من الغل والحسد، ميزان يتفاضل به الناس، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ ».
والإنسان بصلاح وصدق قلبه، يتبلغ منازل عاليه، ويتحصل على أجور كبيرة، فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف يحدث عن أبيه عن جده رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ مِنْ قَلْبِهِ صَادِقًا بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ »
ويحصل الخير، والنجاة للإنسان بحسب ما يتفاضل في قلبه من الأيمان والخير، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ».
وعندما يتحقق الإخلاص، والصدق في القلب، فإن صاحبه ينعم بخير الدنيا، والآخرة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ»، وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ: ما مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ».
وكذلك إذا كان القلب يحب الخير، ويتعلق ببيوت الله سبحانه، التي هي مواطن الخير والبركة، فإنه ينعم بأن يظله الله سبحانه تحت ظل عرشه يوم القيامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ – وذكر منهم- وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ».
ومن كان قلبه رحيم، ورقيق في تعامله مع الآخرين، فإن جزاءه الفوز بجنات النعيم، فعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِىِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: « وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ – ومنهم- رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ».
و هذا هو حال عباد الله المؤمنين، والتي أصبحت قلوبهم مثل أفئدة الطير في الرقة، واللين والصفا، والتوكل على الله سبحانه، وقد غلب عليهم الخوف، والهيبة له جل ثناءه وتقدست أسمائه، فعن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ ».
ومن صلح قلبه فإنه لا يخشى عليه من فتن الزمن، ومغريات الحياة الزائفة، ففي حديث عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: « أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ، وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى، وَالْخَيْرِ».
ولما كان للقلب تلك الأهمية البالغة، كان الشيطان حريص على إفساد ذلك القلب، وإشغاله عن الخير، وأن يقذف فيه الشر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم « إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ، فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى لَا يَدْرِيَ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا».
ولذلك كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه، أن يسد الثغرات التي من خلالها قد يدخل الشيطان ليلقي الشر في القلوب، فبينما هو ذات يوم يمشي صلى الله عليه وسلم مع زوجته صَفِيَّةَ ليوصلها إلى البيت، مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا».
ولأهمية القلب، كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله سبحانه وتعالى في مواطن كثيرة بأن يصلحه ويهديه، فكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا »، وكان يقول: « اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّ قَلْبِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ »، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو « رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِى، وَاغْسِلْ حَوْبَتِى، وَأَجِبْ دَعْوَتِى، وَثَبِّتْ حُجَّتِى، وَاهْدِ قَلْبِى، وَسَدِّدْ لِسَانِى، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِى ».
بل قد كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم أن يثبت الله عزّ وجلّ قلبه على الهداية والإيمان، فعن شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ عِنْدَكِ، قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ، فَتَلَا مُعَاذٌ قول الله تعالى ( ربنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ).