لقد كان للقلب, والاهتمام به وإصلاحه، أهمية كبيرة عند السلف الصالح، من صدر هذه الأمة، ولاسيما الصحابة رضي الله عنه، الذين أختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم لِما علم ما في قلوبهم من الخير والصلاح، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، وَخَصَّهُ، أَوْ، قَالَ: بَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ”.
ومما تميز به أولئك الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم أنهم تربوا على يد المربي الأول محمد صلى الله عليه وسلم ، وتخرجوا من مدرسته علية الصلاة والسلام، والذي كانت مجالسته لأصحابه، وحديثه معهم، وتوجيهاته لهم، وتلاوته للوحي بين أيديهم، منهجاً متكاملاً يتحقق به صلاح قلوبهم، قال عبد الله بن رواحة:
وَفِـينَا رَسُـولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَـهُ إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنْ الْفَجْرِ سَاطِـعُ
أَرَانَا الْهُـدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنـَا بِـهِ مُوقِنَـاتٌ أَنَّ مَا قَـالَ وَاقِـعُ
وتلك التربية النبوية، العظيمة أثرت في نفوس الصحابة الأجلاء، ووصلت إلى شغاف قلوبهم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، المقدم بين الصحابة رضي الله عنه لم يفضل الناس بكثرة صوم ولا صلاة وإنما فضلهم بشيء كان في قلبه.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ هذه الآية (ألم يَأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبُهُم لذكر الله) بكى حتى يغلبه البكاء.
ونجد أن قلوبهم عمرت بالإيمان، وإن كانوا في ظاهرهم يمزحون ويمرحون، سئل بن عمر هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون قال نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال، ولذلك لما توفي صلى الله عليه وسلم ، أنكروا قلوبهم رضي الله عنهم، لما افتقدوا تلك المجالس الإيمانية، والتوجيهات النبوية، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، ولما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي، وإنا لفي دفنه، حتى أنكرنا قلوبنا”، وبقية أثار تلك التربية الرشيدة في نفوسهم، وظهرت جلياً في أقوالهم، وأفعالهم.
وتحمل الصحابة إرث النبي الذي لم يورث ديناراً ولا درهماَ وإنما ورث العلم، الذي به تصلح القلوب، وتتهذب النفوس، فكانوا بأقوالهم وأفعالهم يرشدون إلى ما به صلاح القلوب، بَعَثَ أَبُو مُوسَى الأشعري إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلاَثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَقَالَ أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ فَاتْلُوهُ وَلاَ يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ”، وقال أبو الدرداء: “إن القلب يربد كما يربد الحديد، قيل: وما جلاؤه قال بذكر الله”.
وتربى التابعون رحمهم الله، على أيدي الصحابة الأجلاء، فكان لا يعتريهم شيء، أو يصيب قلوبهم، إلا سارعوا إلى أطباء القلوب من الصحابة رضي الله عنهم ليعالجوهم مما قد أصابهم، “عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِىِّ قَالَ: أَتَيْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَقَعَ في نفسي شيء مِنَ الْقَدَرِ، فحدثني بشيء لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قلبي”.
وهكذا سار بقية السلف الصالح؛ من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، في طريق إصلاح القلوب، والاهتمام بها، ورعايتها، فهذا الحسن البصري يقول: “داو قلبك فإن حاجة الله إلى عباده، صلاح قلوبهم”، وقال:”إن الرجل ليعمل الحسنة فتكون نورا في قلبه، وقوة في بدنه، وإن الرجل ليعمل السيئة فتكون ظلمة في قلبه، ووهنا في بدنه”، وقال حذيفة المرعشي: “ما أصيب أحد بمصيبة أعظم من قساوة قلبه”.