يتفاوت الناس بتفاوت عقولهم ومكتسباتهم الثقافية ومعاييرهم الاجتماعية في تحديد الأفضل من الناس والأفضل في الأعمال .
وللمنهج الإسلامي الذي جاء به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم معايير ذات أسس في تحديد خير الناس وأفضل الأعمال والأقوال بما لا يدع للعواطف أن تلعب بها الأهواء أو أن تحيد بالعقول الثقافات غير الواعية أو أن تكون أخطاء المعايير الموروثة عن المجتمع حكما وحكما ظالما في حق الآخرين .
فخير الناس في العلاقات الاجتماعية في منهج الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم ( خير الناس أنفعهم للناس ) .
وفي هذا التوجيه النبوي العظيم ما يربي الفرد على أن يمد مكتسباته المعرفية والعملية والمالية والجاه والمكانة بأن يمدها للناس فيما ينفعهم وبالتالي يخرج من تلك الخيرية الاجتماعية كل من يستطيع أن ينفع فيحجب نفعه عن الناس .
وفي بسط الخير ومده للأهل أعظم في مقاييس الخيرية الإسلامية من أن تقدم غيرهم عليهم قال صلى الله عليه وسلم ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) .
وفي هذا المقياس المعياري للخيرية مع الأهل ما يعلم المؤمن حين تختلف العقول وتتفاوت العادات وتتمايل العواطف هنا وهناك أن الفاضل من الناس من يقدم خيره لأهله.
وأما في مقاييس الزمن والأعمار والأعمال فيما يخص الفرد فليس الأفضل هو من عاش طويلا مجردا من حسن العمل بل الأفضل كما قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه ( ألا أخبركم بخيركم ؟ قالوا نعم قال : خياركم أطوالكم أعمارا وأحسنكم أعمالا ) فكم امتدح الناس من عاش وعمر مديدا دون النظر إلى معيار الخيرية ومقاييس الفضل .
وفي معايير العلم والتعليم يقول صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وفي هذا الحديث العظيم تتعاظم المعرفة بتعاظم نوعيتها، فأعظم أنواع المعرفة ما قرّب إلى الله تعالى وأعظم ما يقرب إلى الله تعالى العلم بالقرآن الكريم، وقد قدم منهج الإسلام الأقرأ للقرآن في إمامة الناس للصلاة، ليقتدي ويأتم به من ارتفع فضله بالمال أو المكانة الوظيفية أو غيرها. وقدم رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في دفن شهداء أحد الأكثر أخذاً للقرآن الكريم.
وفي هذا البيان لمعيار التفاضل ما يربي في المسلم محبة القرآن العظيم وتعظيمه والعناية بتعلمه وتعليمه ونشره بين الناس ، وإجلال من يعتني به علماً وعملاً .
فأسس الخيرية ومعاييرها في نهج الإسلام تختلف عما يتفاضل الناس به، والتي من أبرز مظاهرها عند بعض الناس، أن الكبير بماله تسقط مكانته وخيريته عندما يفقد ماله، وكذلك صاحب الوظيفة العالية تضمر مكانته عند فقد وظيفته.
والسؤال التربوي المهم: هل نحن نتعامل مع بعضنا وفق المعايير الإسلامية ؟ أم وفق معاييرنا الخاصة ؟ وهل نحن نربي أنفسنا على هذا النهج الإسلامي ؟
ولولا أن يطول المقام لأطلت في المقال، اللهم بصرنا وعلمنا وارزقنا العمل بما تحبه وترضاه فكم علمتنا ووجهتنا وأرسلت لنا خير البرية صلى الله عليه وسلم فعلمنا وأرشدنا حتى اكتمل دينك به وبرسالته فلك الحمد والشكر يا رب العالمين .