التربية الاجتماعية للمعلم يراد بها باختصار : قدرة المعلم على أن يألف ويؤلف ، بمعنى قدرته على تقبل الناس والانسجام معهم ، وقدرته على كسب احترام الناس له ، وتقبلهم لما يطرحه ، بناءً على ما يقدمه لهم من نفع وخدمة .
ومن خلال هذا الانسجام والتواصل المتبادل ، يستطيع المعلم التأثير على طلابه ، في إكسابهم كثيراً من العادات والسلوكيات ، لاسيما الآداب الاجتماعية ، التي تحدد علاقاتهم بالآخرين من أبناء مجتمعهم ، بل وأمتهم الإسلامية جمعاء ، فيؤثر ذلك في تماسك المجتمع ، وخلوه من القطيعة والفرقة والنزاعات ، كما أشار إلى ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه (المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس) رواه الطبراني وصححه السيوطي ، ويمكن بيان مسئولية المعلم في تنمية التربية الاجتماعية في نفوس طلابه من خلال ما يلي :
1ـ التوجيه التربوي المبني على القدوة الحسنة ، فتجد المعلم المسلم يسعى جاداً إلى غرس الاتجاهات والقيم الإسلامية النبيلة في نفوس طلابه ، وإكسابهم العادات الاجتماعية السامية ، التي تحدد علاقة كل واحد منهم بربه ، وبوالديه وببقية أفراد أسرته ، وبرفاقه وجيرانه ، وبمدرسته ، وسائر أفراد مجتمعه وأمته ، ويستشعر المعلم في جميع تصرفاته أن طلابه ينظرون إليه نظرة احترام وتقدير واقتداء ، فيلتزم تقوى الله ـ عز وجل ـ توجهاً وسلوكاً ، ويحرص في جميع تعاملاته أن يظهر أمام طلابه على أكمل الأحوال في أقواله وأفعاله وتصرفاته ، فلا يأمر بشيء ويأتي بسلوك يخالفه ، حتى لا يتعرض لمقت الله القائل (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كَـبُـرَ مقتاً عند الله أن تقولون ما لا تفعلون) وهذا ما بينه الأنبياء عليهم السلام ، الذين هم قدوة المعلمين ، يقول الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه السلام (قال يا قومِ أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
2ـ إدراك المعلم التام للأسس الاجتماعية التي ترتكز عليها العملية التربوية، وهذا يعني معرفته الواسعة بثقافة مجتمعه ، والآداب المتبعة فيه، والعمل على نشر الفاضل منها، وتعزيزه في نفوس أبنائه الطلاب، ومحاولة إصلاح ما كان منها مخالفاً للقيم الإسلامية، والآداب الرفيعة .
3ـ أن يعمل المعلم على تقوية الصلات الاجتماعية بين المدرسة والمنـزل، وسائر مؤسسات المجتمع الأخرى ، فالمجتمع بكامله إنما هو وحدة كلية متضامنة ، لا يمكن فصل بعضها عن بعض ، فلو حدث خلل في إحدى المؤسسات فإن آثاره تمتد إلى المؤسسات الأخرى ، وبالتالي يتضرر بها سائر أفراد المجتمع، وذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم ، فالتواد والتعاطف والتواصل بين مؤسسات المجتمع الواحد ، يسهم بفاعلية كبيرة في تحقيق التربية الاجتماعية السليمة لأبناء المجتمع ، وبالمقابل فإن التنافر والتعارض في المواقف التربوية والاجتماعية بين هذه المؤسسات قد يعرض الطلاب لصور شتى من سوء التكيف الاجتماعي ، مما يعوق قدرتهم على النمو الاجتماعي السليم .
4ـ مساعدة المتعلم على تقوية علاقاته الاجتماعية بالآخرين ، من خلال تشجيعه على الاشتراك في الأنشطة الاجتماعية المختلفة ـ داخل المدرسة وخارجها ـ كالاشتراك في جماعة الكشافة ، والرحلات والمعسكرات التدريبية ، لأنها تسهم في توسيع خبراته الاجتماعية ، وتساعده في اختيار أصدقاء يشاطرونه ميوله واهتماماته ، وقد شبه المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم الأثر الاجتماعي والأخلاقي للصديق بقوله (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كحامل المسك ، ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) رواه مسلم، ومن هذا المنطلق يلزم المعلم أن يساعد طلابه على اختيار أصدقائهم ، وذلك ببيان أوصاف الصديق الصالح ، وأثر ذلك على المرء في الدنيا والآخرة .
5ـ التعاون المشترك بينه وبين طلابه ، والمبني على قيم البر والتقوى ، والمحبة والإخاء ، امتثالاً لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم العلاقات الاجتماعية الناجحة القائمة على التعاون المشترك بالبنيان الواحد ، حيث قال (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) رواه مسلم .
هذا ومن أبرز المظاهر الإيجابية الدالة على علاقة المحبة بين المعلم وطلابه المحافظة على آداب التحية، والسلام عليهم أثناء دخول قاعـة الدرس، ولقد ربطت التربية الإسلامية بين هذا السلوك الاجتماعي المهم وبين دخول الجنة، وهو ما يستنبط من حديث النبي عليه الصلاة والسلام (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم، ومن مظاهره كذلك مقابلة الطلاب بالبشر والابتسامة، حيث تعمل الابتسامة على التقريب بين المسافات، وتزيل الحواجز النفسية التي قد تقع بين الأفراد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) رواه مسلم .
6ـ المشاركة الفاعلة في اللقاءات الدورية لمجالس الآباء ، حيث يتم فيها الترابط الوثيق بين المعلمين والآباء ، مما يجعل كلاً منهم يشد أزر الآخر ، في الرقي بمستوى المتعلمين إلى المستوى المأمول ، هذا وقد ثبت تربوياً فوائد هذه اللقاءات ، وأثرها الملموس على المتعلمين ، فهي تساعد على تبادل الأفكار حول تقدم المتعلم في سيره الدراسي ، وتعين على اكتشاف قدراتهم ومواهبهم بشكل أكبر .
7ـ العمل على تنقية الثقافة من الشوائب التي قد تعيق النمو الاجتماعي السليم لأفراد المجتمع ، فمهمة المعلم لا تقتصر على مجرد نقل الثقافة ، بل هي قائمة على مهمة أخرى وهي تنقية هذه الثقافة من كل الشوائب والترسبات الجاهلية الضارة ، كالسحر والبدع والخرافات والأفكار الإلحادية الهدامة ، وكل ما يتعارض مع التصور الإسلامي الصحيح ، أو يؤدي إلى تشويه الحقائق ، وهذا بطبيعة الحال لا يعني الانغلاق على الذات ، والاستنكاف عن الاستفادة من الآخرين ، لاسيما ما هو نافع ومفيد ، بل المطلوب هو المحافظة على هوية المسلم من الذوبان ، ولا مانع من إضافة ما هو مفيد ، بعد تمحيصه وتنقيحه .
8ـ تدريب المتعلم على الإيثار ، والبعد عن الأنانية ، التي تركز على تحقيق القيمة الذاتية للفرد ، وتجعله يتمحور حول ذاته ، دون النظر إلى بقية أفراد المجتمع ، ولذا حرصت التربية الإسلامية على تحقيق التوازن بين حقوق الفرد وواجباته ، بحيث لا يطغى جانب على جانب ، مع مراعاة استخدام الأساليب التربوية المناسبة في ذلك ، والبعد عن الأساليب الخاطئة ، كالمبالغة في النقد ، وتصيد الأخطاء ، أو تهديده الشديد لمجرد خطأ بسيط ، أو الإسراف في تحذيره من مواقف الحياة الجديدة ، أو التلفظ عليه بألفاظ لا تليق ، كإشعاره بأنه غير مرغوب فيه ، أو نداؤه بأسماء الحيوانات ، أو غير ذلك ، مما يولد في نفس الطالب إحباطاً كبيراً ربما استمر أثره معه فترةً طويلة، وقد ثبت أن لهذه الممارسات الخاطئة نتائج سلبية على الطالب ، تجعله هياباً يخاف من كل شيء، وقد تنتابه حالات نفسية اجتماعية غير سوية ، مثل الخجل والتردد والارتباك والانطوائية والحرص الشديد والذعر من شبح الفشل .
9ـ تنمية روح الولاء للأمة الإسلامية في نفوس الطلاب ، والبراءة من أمم الشرك والإلحاد ، وذلك من خلال تبصير المتعلم بالمحنة الحقيقية التي تمر بها الأمة الإسلامية اليوم ، وهي تكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب ، بغية نهب خيراتها واستغلال ثرواتها ، وإضعافها من كل وجه ، واستثارة مشاعرهم حيال ذلك للدفاع عن أمتهم وحمايتها من كل من يريدها بسوء ، والعمل على إزالة أسباب الضعف التي لحقت بالأمة الإسلامية ، وحثهم على الالتحاق بالجمعيات الخيرية ، والهيئات الإغاثية ، لمساعدة المحتاجين والمتضررين ، لتكون الأمة الإسلامية كما وصفها الله عز وجل بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون).
وأخيراً ينبغي على المعلم تبصير المتعلم بحقيقة العالم الإنساني المعاصر ، وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي تربط بين شعوبه ، وتزويده بالحصانة الإيمانية المناسبة ، والتي تعمل على وقايته ـ بإذن الله ـ من الوقوع في التبعية الفكرية المقيتة ، أو الانجراف وراء الاتجاهات العالمية الهدامة ، بالإضافة إلى تزويده بالوسائل المناسبة التي تساعده على نشر رسالة الإسلام والسلام في ربوع العالم بأسره .
فإذا راعى المعلم هذه الأمور ، وعمل بموجبها ، يكون قد حقق جزءاً كبيراً من الأمانة الملقاة على عاتقه ، وكان له أكبر الأثر في النهوض بمستوى الطلاب ، والرقي بهم إلى مصاف الكمال ، فينشئون ـ بإذن الله ـ أسوياء قادرين على تحمل المسئولية ، والقيام بدورهم في الحياة، على أكمل الوجوه .
والله تعالى المسئول أن يصلح شبابنا وفتياتنا ، وأن يهديهم سبل السلام ، وأن يجنبهم الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، وأن يقيهم شر أنفسهم ، وشر الشيطان ، وشر كل من فيه شر ، والله أعلم وأحكم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .