بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فقد دخل علينا في هذه الأيام موسم من مواسمالخيرات ، يغفل عن استغلاله كثير من الناس ، ألا وهو شهر شعبان ، ولنا مع هذا الشهر الكريم محطات نقف فيها متأملين معتبرين ، وهي :
المحطة الأولى / الصوم في شعبان ، تقول عائشة رضي الله عنها ” ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان ” رواه البخاري ومسلم .
قال ابن حجر رحمه الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم معظم شعبان .
وقد سأل أسامة بن زيد رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السر في هذا الصيام ، فقال : ” يا رسول الله ، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ذاك شهر يغفل الناس عنه ، بين رجب وشعبان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ” رواه النسائي وصححه الألباني .
والمتأمل في حال كثير من الناس اليوم يجد الغفلة عن هذا الشهر ظاهرة ملموسة ، حيث يستغلونه في السفر والتنزهات ، ويذهب جزء كبير منهم إلى الأسواق وغير ذلك ، وفي الحديث إشارة إلى العناية بأوقات غفلة الناس ، وعمارتها بطاعة الله وذكره ، كما يشهد لذلك أحاديث أخرى كالعبادة في زمن الفتن وذكر الله في السوق وغيرها .
المحطة الثانية / شهر شعبان يعتبر كالمقدمة لشهر رمضان المبارك ، ففيه يتهيأ المسلم لاستقبال شهر رمضان ، فيبدأ بتعويد نفسه على أعمال البر المتنوعة من صيام وصدقة وقراءة للقرآن وذكر لله جل وعلا وقيام الليل وصلة الرحم ، وغير ذلك من الأعمال الصالحة ، حتى تستعد نفسه ، وينشرح قلبه بممارسة هذه الأعمال في شهر رمضان ، بخلاف ما لو فاجأها بهذه الأعمال مجتمعةً في شهر رمضان فقد لا تستقيم له ، وربما ذهب شهره وهو لم يعمل فيه شيئاً ، وهذا من الحكمة المطلوبة من العاقل في تعامله مع نفسه ، ومن رحمة الله تعالى أن سن لنا من جنس الفرائض سنناً قبيلةً وسنناً بعديةً ، فالقبلية لتهيئة الإنسان للفرض ، والبعدية لسد النقص والخلل الحاصل في الفرائض ، ولذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في اللطائف : صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع ما كان قريباً من رمضان قبله أو بعده ، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض .
المحطة الثالثة / ينبغي للمسلم أن يعوٌد أهله وأولاده وسائر قراباته على استغلال هذا الشهر فيما يقربهم من ربهم ، ويحثهم على صيام ما يستطيعون منه ، ويضع لهم برنامجاً في قراءة القرآن الكريم ، وحفظ ما يستطيعون من الأذكار النبوية كأذكار الصباح والمساء ، ودخول المنزل والخروج منه ، وأن تكون ألسنتهم رطبةً من ذكر الله فلا تفتر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، حتى إذا دخل عليهم شهر رمضان استغلوه من أول لحظة من لحظاته إلى آخر ثانية فيه .
المحطة الرابعة / ينبغي التنبه إلى أن من كان عليه قضاء من رمضان الفائت فإنه يلزمه قضاؤه قبل دخول رمضان القادم ، ولا يجوز تأخير القضاء إلى دخول رمضان الآخر إلا من عذر ، فليحرص المسلم على قضاء ما عليه من صيام وخاصةً النساء فإنه قد تساهل كثير من الناس في القضاء وربما تركوه سنوات طويلة .
المحطة الخامسة / من كان إماماً لمسجد فإني أنصحه بالمحافظة على إمامة مسجده ، وخاصةً في صلاة التراويح فإن في ذلك خيراً عظيماً له ، وهو من أكبر المعينات له على تثبيت حفظه ومراجعته ، فيهيئ نفسه من الآن بمراجعة محفوظه من القرآن ، والإكثار من قراءته ، وقد كان كثير من السلف يسمون شهر شعبان ” شهر القراء ” ، وكان بعضهم إذا دخل شعبان أغلق دكانه وقال : هذا شهر القرآن وأقيل على قراءة القرآن
.
أسأل الله تعالى بأحب أسمائه إليه وأقربها زلفى لديه أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وأن ييسر لنا فعل الخير على الوجه الذي يرضيه عنا ، وأن يبارك لنا فيما بقي من شعبان وأن يبلغنا رمضان ونحن في خير وصحة وعافية ، وأن يسلمنا لرمضان ويتسلم منا رمضان متقبلا ، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .