إن إتباع الفرد للخطوات الثلاث في تربية النفس بالتدريج يعينه على الارتقاء والتقدم وفيما يلي ستذكر الكاتبة مثال تطبيقي جامع لكل خطوات التدرج مع النفس التي سبق ذكرها :
مثال تطبيقي :
إن تربية النفس عبر خطوات تربوية متدرجة يعين الفرد على تعديل نفسه وتوجيهها والارتقاء بها , وسنمثل على ذلك بمثال تطبيقي, فعند الحديث عن تطبيق التدرج على النفس ينبغي تحديد نقطة البداية ومواضع النقص في النفس البشرية والبدء معها من حيث هي :
– فقد يكون الفرد متحلياً بصفة الكذب ويرغب في التعديل .
– وقد لا يكذب ويتحلى بالصدق في القول فقط ويرغب في التحسين والتطوير .
– وقد يكون متحليا بالصدق في غالب أموره ويرغب في التنمية والتكميل لكونه لم يرتقي لدرجة الصديق الذي يتحرى الصدق في كافة شؤونه .
ولكل حالة من الحالات السابقة طريقة في التربية والتوجيه بالتدريج شيئاً فشيئا .
• فإذا اتصف الفرد بصفة سيئة كالكذب مثلاً وأراد علاجه , فينبغي عليه أولاً ,
البدء بالتخلص والتخلي عن عادة الكذب والتحلي بعادة الصدق عن طريق إبدال الصفة السيئة بصفة حسنة كما سبق بيانه .
• أما إذا لم يتصف الفرد بالكذب نظراً لأن الكذب لا يكون أصيلاً في طبع الإنسان بحسب فطرته النقية وكان أصل الصفة الحسنة المراد تطويرها موجود فيه أو وجد فيه جزء منها كالصدق في القول مثلاً , فينبغي على الفرد أن يسعى إلى تنميته وتكميله .
• وأما إذا اتصف الفرد ببعض أنواع الصدق ورغب في التنمية والتكميل فعليه الحرص على ملازمة الصدق في كافة شئونه , فالصدق في النية والإرادة , والصدق في الوعد والوفاء بالعهد , والصدق في العمل وهكذا , – فدرجات الصدق لا نهاية لها – وقد يكون للفرد صدق في بعض الأمور دون بعض , فإذا كان صادقاً في جميع أحواله فقد وصل إلى درجة الصديق الذي تحرى الصدق في كافة أموره حتى استحق هذه المكانة والمنزلة , فالصدق يكون على ثلاثة أنواع :
أولا: صدق في الأقوال .
ثانيا: صدق في الأفعال .
ثالثا: صدق في الأحوال .
” فالصدق في الأقوال : استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها والصدق في الأعمال : استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد , والصدق في الأحوال : استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة…وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صدّيقيته ولذلك كان لأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ذروة سنام الصديقية , سُمِّيَ الصدّيق على الإطلاق، والصدّيق أبلغ من الصدوق، والصدوق أبلغ من الصادق , فأعلى مراتب الصدق : مرتبة الصدّيقية وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص للمرسل ”
ومما يدل على مشروعية تنمية الصفات الجيدة كالصدق مثلاً والعمل على تربية النفس وتطويرها وتكميلها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال) عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا (رواه مسلم .
ويقول مالك بن دينار رحمه الله : “إن الصدق يبدو في القلب ضعيفاً كما يبدو نبات النخلة يبدو غصناً واحداً…فتسقى فتنتشر وتسقى فتنتشر حتى يكون لها أصل أصيل يوطأ ، وظل يستظل به ، وثمرة يؤكل منها ، كذلك الصدق يبدو في القلب ضعيفاً فيتفقده صاحبه ويزيده الله تعالى ويتفقده فيزيده الله حتى يجعله الله بركة على نفسه ، ويكون كلامه دواء للخاطئين…أمثال الحسن وسعيد بن جبير وأشباههم ، الرجل منهم يحيي الله بكلامه الفئام من الناس ” .