تابع خطوات التدرج مع النفس :
إن عملية التدرج مع النفس ومسايستها لتعويدها على معالي الأمور لا يتوقف عند حدٍ معين , لأن فضائل الأعمال ومحاسن الأخلاق كثيرة ومتعددة فبعد التخلص من العادة السيئة والتحلي بالعادة الجيدة يأتي دور الخطوة التالية وهي :
ثالثا: التنمية والزيادة لصفة جيدة :
فالتربية دائمة ومستمرة لا تتوقف , فبعد التخلية تأتي التحلية وبعد ذلك تأتي عملية التنمية والزيادة لما تمّ اكتسابه من صفات وقيم , ومحاولة تطويرها وتكميلها والتزوُّد بغيرها , ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ”
فليس من العسير أن يعوِّد المرء نفسه على معالي الأمور بالتدريج فيألفها وتألفه ، فمن طبيعة الإنسان أنه يألف ويؤلف ، والكريم يألف الكمالات .
وإن تنمية الأخلاق الفاضلة والسلوكيات الجيدة يتكون للنفس بالتدريج شيئاً فشيئا , فينبغي أن لا يتوقف طموح الفرد المسلم عند مجرد التحلي بالفضيلة , بل عليه أن يعمل على تنميتها وتكميلها وتجميلها ومن ثم التزود بغيرها .
ففي مجال الأخلاق الفاضلة مثلاً نجد أن “الأخلاق الفطرية قابلة للتنمية والتوجيه والتعديل , لأن وجود الخُلق بصفة فطرية يدل على وجود الاستعداد الفطري لتنميته بالتدريب والتعليم وتكرر الخبرات, كما أنه يدل على وجود الاستعداد الفطري لتقويمه وتعديله وتهذيبه بالتعليم والتدريب وتكرر الخبرات , وتشهد لهذه القابلية التجارب التربوية على الإنسان , والملاحظات المتكررة على أفراد الناس من مختلف البيئات الإنسانية ”
مثالٌ تطبيقي :
ويمكن تلخيص ما سبق ذكره في المرات السابقة والقول بأن خطوات التدرج مع النفس لاكتساب خلق الجود على سبيل المثال وغيره من الأخلاق يكون على ثلاث درجات :
أولا: التعديل : عن طريق إبدال الصفة السيئة بصفة حسنة كما ذُكر ذلك في أول خطوات التدرج مع النفس , فخلق البخل مثلاً يُستبدل بخلق الكرم والسخاء .
ثانيا: التحسين والتطوير : عن طريق تحسين الأداء وتطوير الصفة الحسنة المكتسبة كما سبق بيان ذلك في الخطوة الثانية من خطوات التدرج مع النفس , فالسخي يعمل على تطوير خلق السخاء للوصول إلى الاتصاف بالجود .
ثالثا: التكميل : عن طريق محاولة بلوغ نهاية الكرم للوصول إلى الاتصاف بخلق الإيثار , فهذه الدرجة هي أشرف درجات الكرم وأكملها ، وبه استحق صاحبه ثناء الله عز وجل عليه في قوله تعالى :
(وَالَّذِيَنَ تَبَوَّءُوا الَّدَارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُونَ مَنْ هَاجَرَ إِليهِمْ وِلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحّ َنَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) ، سورة الحشر، آية رقم9
لذلك يُقال أن ” أول مراتب الكرم : السخاء ، ثم الجود , ثم الإيثار , فمن أعطى البعض وأبقى البعض فهو السخي ، ومن بذل الأكثر وأبقى شيئاً فهو الجواد ، ومن قاسى الضر وآثر غيره فهو المؤثر ”
ويُستفاد من ذلك أن مراتب الأخلاق متفاوتة , ويُمكن اكتسابها بالتدريج ,” والدنيا دار سباق إلى أعالي المعالي ، فينبغي لذي الهمة أن لا يقصر في شوطه , فإن سبق فهو المقصود , وإن كبا جواده مع اجتهاده لم يلم ”
وكذلك العادات الحسنة والمهارات الجيدة فإنها كثيرة ومتعددة لذا تقترح الكاتبة طريقة في التعامل مع النفس للعمل على اكتساب الأخلاق الفاضلة والعادات الجيدة والمهارات المختلفة بالتدريج فليس من الصعب على الفرد أن يسعى إلى تكميل نفسه بالتدريج , وهذه الخطة والطريقة في تطوير الذات واكتساب الفضائل والمهارات تتلخص في :
تركيز الفرد على عادة إيجابية واحدة وممارستها لبعض الوقت والتدرج بالنفس للارتقاء بها وتثبيتها ثم الانتقال لغيرها , , وهكذا يتمكن الفرد من اكتساب السلوكيات الجيدة والعادات السليمة والأخلاق الفاضلة والمهارات المختلفة , ويسعى جاهداً إلى تطوير امكاناته واستغلال طاقاته والاستفادة من وقته بما يعود عليه بالنفع العاجل والآجل في الدنيا والآخرة .
فالتدرج مع النفس يوصل المرء إلى اكتساب معالي الأمور والترفع عن سفاسفها والتقويم المستمر والتطور الدائم إلى الأفضل والأكمل بعون الله وتوفيقه .