التدرج مع النفس:
تتعدد أوصاف النفس الإنسانية وتتقلب على ثلاثة أحوال :
أولا: فهي إما أن تحث صاحبها على البر وتعمل على أن يكون من الأخيار وهذه النفس هي النفس المطمئنة .
ثانيا: وإما أن تلومه على عمل السيئات فتدفعه إلى الندم والاستغفار ، كما تلومه على عدم الإكثار من الحسنات وهذه هي النفس اللوامة .
ثالثا: وإما أن تأمره النفس بالشر وارتكاب المعاصي والآثام وهذه هي النفس الأمارة بالسوء .
ولهذه المواقف الثلاث تأثير بالغ على تحلي الإنسان بالفضائل واتصافه بالأخلاق الحسنة , أو الوقوع في السيئات والاتصاف بالأخلاق السيئة ، والتناسب بين هذه الحالات الثلاث تناسب عكسي ، فكلما قويت النفس المطمئنة ضعفت النفس الأمارة بالسوء ، وبين هاتين النفسين المطمئنة والأمارة نفسُ ثالثة هي النفس اللوامة التي تلوم صاحبها باستمرار وهذه تُعَدُ صفة مدح لها ، فإذا كانت كل من النفس المطمئنة والنفس الأمّارة تقومان بعملية التوجيه ، فإن النفس اللوامة تقوم بعملية المراجعة والتقويم انطلاقاً من الفطرة التي تستحسن الخير وتحث عليه ، وهذا اللوم يدفع المرء إلى الابتعاد عن التفريط والقيام بالتصحيح من خلال النفس اللوامة .
وينبغي البدء بتربية النفس من خلال تلمس مواضع الخطأ والتقصير , والقيام باللوم والندم لإصلاح الزلل وتعديل الخلل , وذلك من خلال الأخذ بالهيِّن السهل على النفس ، وسلوك مسلك الترغيب مرات ، و الترهيب مرة ، فالنفس توَّاقةٌ نحو الدَّعة والراحة ، وساعيةٌ إلى الخمول و السُّكون ، فإذا أراد صاحبها أن يدفعها نحو الترقي فلا بدَّ له من نقلها من مواطن الركود و الدعة إلى مشارف العلو و الرفعة بالتدريج , من الدُّنوِّ إلى العلو , ومن الحسن إلى الأحسن شيئاً فشيئاً قليلاً قليلا , و السرُّ في هذا : أن في التدرج تنقل ممهد يستدعي التقبل والاستجابة لتلك الطريقة في سياسة النفس وملاطفتها .
وترى الكاتبة أن على الفرد أن يسعى نحو تربية نفسه وتنميتها من خلال مراعاة أساسين للتدرج وهما :
التدرج الكمي : ويكون من خلال وضع مراحل واضحة للعملية التربوية وتحديد مدة زمنية لكل مرحلة .
والتدرج الكيفي : وذلك يتم من خلال مراعاة الأسلوب والطريقة التي من خلالها يكون التنقل من مرحلة إلى أخرى , فبالترغيب قبل الترهيب وهكذا , كما يُراعى جانب الرفق والحزم معاً وألاّ يطغى أحدهما على الآخر, فتحديد الكم والكيف الذي يتلاءم مع طبيعة النفس البشرية مهم في العملية التربوية وذلك لئلا يهمل الفرد نفسه ولا يحملها ما لا تطيق .
خطوات تربية النفس عبر أسلوب التدرج :
تعتمد خطوات تربية النفس بالتدريج على ثلاثة محاور أساسية , يُبنى بعضها على بعض وهي كما يلي :
أولا: التخلص من صفة ذميمة وعادة سيئة
ثانيا: اكتساب صفة جيدة جديدة .
ثالثا: التنمية والزيادة للصفة الجيدة .
وهذه الخطوات الثلاث يمكن إتباعها في كل مجالات التربية سواءً العقدية أو الأخلاقية أو السلوكية أو الاجتماعية أو النفسية , وأقوى تلك المجالات هي التربية العقدية الإيمانية نظراً لأهميتها ولتأثيرها في جميع المجالات الأخرى فالمرء إذا قويت علاقته بربه أصبح يطمح إلى الكمال في كل أموره .